المنبر الحر | من خصائص القرآن العظيم
بقلم: د. يوسف إدريسي منادي
إن القرآن العظيم هو النص الذي انبثقت من بين ثناياه العلوم والمعارف باعتباره النص المؤسس للمعرفة، وقد ظل منذ نزوله وإلى يوم الناس هذا، موضوعا للدراسة والتفسير، ولا يوجد نص على الإطلاق حظي بالعناية والاهتمام كنص القرآن، فهو الكريم الذي لا ينقطع عطاؤه، والمكنون الذي تتكشف معانيه عبر مختلف الأزمة وتعدد الأمكنة، ونظرا لعظمته وسمو قدره، نجده قد تضمن من الخصائص ما يجلي هذه المعاني، ومن أبرز تلكم الخصائص:
1) دعوته للقراءة: من المعلوم أن أول الكلمات التي تلقاها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي، هي الأمر بالقراءة ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)) (سورة العلق، الآية: 1)، وهذا الفعل (اقرأ) تكرر مرتين في نفس السياق، مما يشعر بوجوب قراءة كتابين: قراءة الكون المخلوق، وقراءة الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، “فهما مصدران للمعرفة، يتظافران في توصيل الإنسان إلى معارف الشهود الحضاري، والقيام بمهام العمران والاستخلاف في هذا الكون” كما يذكر الدكتور طه جابر العلواني.
إن أي إخلال بأحد القراءتين ينتج عنه حتما الإخلال بتوازن الإنسان المادي والروحي، وهذا ما وقعت فيه الفلسفة المادية حين أعرضت عن قراءة الوحي واستغرقت كليا في قراءة الكون، الشيء الذي أدى ويؤدي إلى ارتكاس الإنسان، وشعوره بالاستعلاء والطغيان، فانقطعت علاقته بالله وفقد بوصلة الاهتداء، ففقدت المعنى، وتلاشت قيم الإنسان في عالم الأشياء.
إذن، فالقراءة باسم الله ومع الله تنتج حضارة ربانية قرآنية، حضارة قلبها التوحيد، وطابعها التزكية، وهدفها العمران والصلاح في الأرض، والقراءة المستغنية عن الله قد تنتج حضارة، ولكن حضارة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لأنها تفتقر إلى الرشد الرباني القرآني.
2) عالمية القرآن وصلاحيته الزمانية والمكانية: إن من الخصائص التي تميز بها النص القرآني عن باقي النصوص البشرية، هي محدودية كلماته وحروفه، لكنه يستطيع أن يتجاوب مع الواقع اللامتناهي بأحداثه ونوازله، فهو النص الذي ظل دوما يستوعب قضايا الإنسان، ويقدم الحلول بشأنها، وذلك:
– أولا: بحكم عالمية خطابه التي أعلنها صراحة في قوله تعالى: ((وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)) (سورة سبأ، الآية: 28)، وعالمية الخطاب تقتضي استمرارية هذا القرآن وخلوده وتجدده، ليبقى دائم الحضور في جميع مناحي الحياة، دينية، اجتماعية، نفسية، ثقافية، وعمرانية، وبذلك يعم فضله وتتحقق بركاته، فيسود الأمن والرخاء، ويظهر بفضله الصلاح، في العاجل والآجل معا.
– ثانيا: هيمنته على الكتب السابقة ((وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه)) (سورة المائدة، الآية: 48)، فهو الكتاب الذي استوعب الكتب السابقة بمنطق الهيمنة والتصديق، ليبقى المرجع الأول والأخير في الشرعة والمنهاج.
ومن ثم، لم يعد هناك معنى لتلك الدعاوى التي تقول بتاريخانية النص وربطه بسياقه الذي تشكل فيه، ذلك أن كثيرا من التكاليف وإن وردت في مناسبات معينة، وفي أحداث مخصوصة، إلا أن تزامن التكاليف مع تلك المناسبات والأحداث لم تكن إلا وسيلة تربوية غايتها تهيئة الناس للفهم والامتثال في الانتقال بهم من مجتمع الجاهلية إلى مجتمع الإسلام.
3) القرآن بديل معرفي وحضاري: لقد أثبت الواقع أنه لا توجد أي فلسفة، أو نظرية على الإطلاق، مهما ادعت من التألق والدقة في الفهم، أن تستطيع تقديم البديل المعرفي والحضاري، والانعتاق من أسر المأزق الحضاري الراهن، إلا القرآن العظيم، فهو بمقدوره وحده إعادة الصياغة الفلسفية للحضارة العالمية المعاصرة، لكونه يملك قدرات التفاعل مع مختلف الأنساق الحضارية، ومع مختلف المناهج المعرفية الحديثة، ومن ثم يستطيع أن يهيمن على كل مناهج الفكر العالمي الوضعي.
إن القرآن العظيم هو المصدر الأساس لتشكيل الحياة المعاصرة، فكريا وثقافيا وعمرانيا وحضاريا، فيتمكن الإنسان المعاصر أن يصل إلى الهدى ودين الحق فيؤدي أمانته ويقوم بمهمة الاستخلاف، ويحقق الوسطية وينهض بواجب الشهادة على الناس، نسأل الله العلي القدير أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا، آمين.