المنبر الحر | الحضور المكثف للهاتف المحمول في حياة الناس والغياب الفعلي للإرشاد
بقلم: عثمان محمود
إذا ما قارن المرء الكيفية التي حضر بها الهاتف في حياة الناس مع غيره من التكنولوجيات الحديثة، فسيلاحظ لا محالة هذا الاكتساح الهائل لهذا الجهاز الصغير لعالم الناس صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا، في ظرف وجيز، فالسيارة – على سبيل المثال لا الحصر – عبرت مدة زمنية لا يستهان بها قبل أن تكون في هذه الوضعية التي عليها اليوم كوسيلة نقل خاصة لدى الأفراد، وليس كل الأفراد، وقس على ذلك التلفاز الذي تدرج عبر مراحل قبل أن يجد له هو الآخر ركنا ركينا داخل أغلب البيوت، وبالنسبة للهاتف المحمول، فإن أجياله المتعاقبة قد حرقت مراحل التطوير إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه، والباقي في الطريق، كما أن الإقبال على اقتنائه في تزايد متواصل حتى أنه أضحى اليوم من الضروريات لا الكماليات، فلا غرابة أن ترى أحدهم، وهو عند البقال يقتني حاجياته وفي معيتها التعبئة الخاصة بالهاتف، وقد يكون مجيئه إلى ذلك البقال من أجل التعبئة ولا شيء معها، كما صارت الفاتورة الشهرية التي تخصه ضمن المستلزمات التي ينبغي على الأسر تسديدها حتى تبقى دماء الفعالية جارية في أكثر من هاتف داخل البيت الواحد، أما تواجده في الأيدي، فلا تسل عن ذلك، فهو لا يفارقها جلوسا ووقوفا، مشيا وركوبا، بل حتى الركض في الأوقات المخصصة للرياضة صارت السماعات الموصولة بالهاتف من أساسيات ذلك الركض عند العديد من الممارسين والممارسات للرياضة، غير أن المثير حقا في غمرة الحفلات التي تستوجب التواصل بين الضيوف، فإن الكثير منهم صار يتنحى افتراضيا عن الجماعة، وهو يلصق عينيه بشاشة الهاتف الصغيرة، ويطلق العنان لأصبع بعينه لتحريك شريط الصور والأخبار والتعليقات، فينتهي الحفل ولا تنتهي مواد ذاك الشريط الذي يحمل كما لو أنه السيل، كل ما هب ودب! واللافت هذه الأيام، هو ولوج الهاتف المحمول رحاب المسجد ليأخذ مكان المصحف، وأثناء قراءة آيات الذكر الحكيم تطفو على صفحة السكينة التي تعم الأجواء الربانية داخل بيت الله، بين الحين والآخر، إشارة صوتية تعلن عن وصول رسالة نصية، ولم لا رنة اتصال هاتفي ملحاح.
إن الحضور المكثف لهذا الجهاز الإلكتروني ذي الخدمات المتعددة، له بلا ريب من التأثيرات النفسية والجسدية ما له على المرتبطين به، مما يستدعي حقا أن يكون هناك توجيه وإرشاد ونصح وتحذير مواكب لذلك الارتباط الذي كاد يصل عند البعض إلى درجة الإدمان، فماذا يضير طبيب العيون مثلا أن ينبه المريض إلى خطورة المبالغة في تصفح ما لا ينتهي من الصور والأخبار من خلال شاشة الهاتف على العين وإضعاف البصر؟ ولماذا يغفل طبيب العظام والمفاصل عن تنبيه المريض إلى تأثير بقاء الهاتف الطويل في اليد على مفاصل الأصابع والعنق وما إليها؟ أليس من واجب الوالدين وهما يقتنيان الهاتف لابنهما، أن يشترطا عليه شروطا تخص طرق استعماله، ومدة مصاحبته، وفي ماذا ينبغي توظيفه؟ وأين دور المؤسسة التعليمية وسط هذا الخضم الهائل وهي ترى التلاميذ والتلميذات أسرى لهذا الجهاز الذي شغلهم عن الدراسة، وصرفهم عن الترفيه الجاد بما في ذلك الرياضة، وما لذلك من أثار خطيرة على الأجساد، أما الأنفس والعقليات والتوجهات، فتلك قصة أخرى؟ وأين برامج التوعية بمختلف أنواعها ضمن خريطة البرامج التلفزية والإذاعية قصد التوجيه السليم والنصح السديد للمشاهد والمستمع ساعة تعامله على مدار اليوم مع الهاتف المحمول؟
شيء غير محمود إذن، ترك الحبل على الغارب في هذا الشأن، لأنه لا يعقل أن تطغى سلبيات الهاتف المحمول على إيجابياته بهذه الكيفية المستفحلة دون نجدة سريعة ومسؤولة تحد على الأقل من تلك السلبيات، أو تعمل على محاصرتها في أدنى مستويات أذاها البدني والنفسي والاجتماعي على حد سواء.