المنبر الحر | الحرب بأوكرانيا وتعقيدات الشرق الأوسط وانعكاساتها على الخليج والغرب الإفريقي
بقلم: نزار القريشي
إن اشتغال استخبارات تركيا “ميت” ورئيسها هاكان فيدان، على قوة الدولة التركية وعظمتها، وبتنسيق وتشجيع للشركات التركية المنتجة والمبتكرة للسلاح التركي المحلي الصنع، وتسريعها لذلك بمنحى تصاعدي ومستمر، سواء مع مرحلة أردوغان أو بعده، هو ما يفسر إعلان الجيش التركي استغناءه عن سلاح “إس 300″ و”إس 400″ و”إف 16” دفعة واحدة، وهو ما تجلى أيضا في التقدم الحاصل مؤخرا بعد تطوير نظام الليزر “نازار” وتثبيته على كل الفرقاطات التركية، والذي يستطيع أن يدمر كل الصواريخ المعادية، ويعلن معه قوة تركيا كقوة ثالثة في العالم تمتلك هذه التقنية بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين، مما أدى إلى إطلاق تهديد تركي بإغلاق قاعدة “أنجرليك” وردار “كورجيك”، وذلك ردا على الإجراءات المعادية لتركيا، الشيء الذي من شأنه أن يؤدي إلى تعضيد العلاقة بين أنقرة وموسكو، ويؤهلها للانخراط في التقاطعات المحتملة مع بكين في مستقبل السياسة الدولية، وبعد التطبيع السعودي-الإيراني الذي تم بوساطة صينية، وإعطاء روسيا للحرس الثوري الإيراني نسخا من الصواريخ الأمريكية “هيمارس” و”جافلان” و”باتريوت” و”ستينغر” و”هاربون” و”نافال” و”سترايك” و”إم 31 أي”، والتي حصل عليها الجيش الروسي من عملائه بالجيش الأوكراني، وذلك قصد استنساخها وإنتاج هندسة عكسية لها.
هذا، وبعد الخلخلة والتعقيد الذي حصل بالشرق الأوسط نتيجة التطبيع بين طهران والرياض، وامتناع محمد بن سلمان عن تطبيع صريح ومعلن مع حكومة تل أبيب، والتطور الذي حصل بليبيا بعد طرد تركيا لإسرائيل من مصراتة، وتشديد مراقبتها لمالطا بعد إرسال 50 “بيرقدار تي. بي 2” مع اتصال بالقمر الصناعي العسكري “توركسات 4 بي” فوق سماء ليبيا ومالطا في تضييق معلن على مكتب “الموساد” بالعاصمة المالطية فاليتا، وبعد الإهانة التي أراد تمريرها رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية للبنتاغون، بعد وقوع حطام “الدرون” الأمريكي في يد الروس، وتصريح الكريملن بأن تحليق الطائرات المسيرة فوق البحر الأسود هو تورط أمريكي مباشر في الحرب الأوكرانية، وإعلان روسيا عن استعمال السلاح النووي والذي قد يكون تكتيكيا وتكتيكا في حال تحرك “الناتو” في اتجاه القرم، كما هو مخطط له بداية الصيف القادم، وأمام تسارع هذه التطورات، هو ما ترتب عنه من استعدادات قتالية لاشتباك عسكري بريطاني-روسي على الأرض السورية.
وبالانتقال إلى شمال إفريقيا، فالتعاون الجنوب إفريقي-الجزائري، والذي سيتطور إلى صناعات عسكرية مشتركة، ومعه تطور ذلك إلى تهديد دائم في محيط البحر الهادئ والهندي وغرب المتوسط، هو ما أكدته زيارة قائد قوات جنوب إفريقية للجزائر، وفي إطار الترتيبات الجديدة والطارئة، للبحث في العلاقة الفرنسية والجزائرية، وبعد لقاء بيرنار إيميي، مدير مديرية الأمن الخارجي الفرنسي، ونظيره الجزائري جبار مهنا، بتدبير من استخبارات ألمانيا “بي. إن. دي” في لقاء سري جمع بين الرجلين ببرلين، مما نتج عنه تعميق الأزمة بين رمطان لعمامرة والرئيس تبون، وهو ما سعى الفرنسيون إلى تأكيده بأن الأزمة الجزائرية-الفرنسية ناتجة – حسب قصر الإليزيه – عن خط داخل الإدارة الجزائرية يرفض هذه العلاقة، وما تجلى أيضا في رغبة الأفارقة في طرد فرنسا من إفريقيا، وذلك بإيعاز من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ودائرة الأمن والاستعلام الجزائرية، مما ترتب عنه إجراء تغيير في منصب وزير الخارجية الجزائري وتغيير في منصب مدير الاستخبارات العسكرية الجزائرية، في محاولة فرنسية لإحداث توازن بينها وبين جناح روسيا في الدولة الجزائرية، وبعد المناورة التكتيكية التي قام بها الجيش الجزائري تحت إشراف شنقريحة وبالصواريخ الموجهة و”الكورنيت دي” و”المضليين” تحت عنوان “عاصفة تيريرين 23” عين جزام جنوب الجزائر، وذلك مقابل التموقع الأمريكي بنيامي عاصمة النيجر، وعبر العلاقة مع روسيا، وهو ما أكدته الزيارة السرية لقائد القوات الجنوب إفريقية إلى الجزائر، غير أن التراجع عن التفاهمات بين روسيا وأمريكا في البحر الأسود قبل طيران “أر. كيو 4” وتصريح الكريملن بأن تحليق المسيرات فوق البحر الأسود ينم عن تورط أمريكي مباشر في الصراع بأوكرانيا، وبعد أن صدم أردوغان روسيا وأمريكا بعدم حاجة بلاده لسلاح “إس 300″ و”إس 400” ولا “إف 16 و35″، اتضحت ضرورة عودة العلاقة بين واشنطن وأنقرة إلى سابق عهدها والتي لن تتم إلا عبر قناة لندن، خصوصا بعد قبول تركيا لعضوية فنلندا بـ”الناتو”، ورغبة أردوغان في تليين المواقف مع الإدارة الأمريكية، والتي من المتوقع أن تستمر كنهج لتركيا سواء بقي أردوغان أو لم يبق بعد الانتخابات القادمة، وهو ما قد تستغله تل أبيب لمواجهة التطبيع السعودي-الإيراني، وعبر التواجد البريطاني بالشرق الأوسط وغرب المتوسط عبر ثقل الاستخبارات البريطانية “آي. إس. آي” والتي انتقل إليها الملف السعودي بعد خروجه من أدراج مكاتب “إم. أي 6″، وذلك من أجل تفرغه لأنشطة استخبارات “فافاك” الإيرانية والأنشطة الموازية لها بالشرق الأوسط وغرب إفريقيا.
ومن جهة أخرى، وبالانتقال إلى الوضع الهش بالهيمالايا بين الهند والصين، والذي قد تستغله سيول وطوكيو، خصوصا والموقف الأمريكي داعم لنيودلهي، في حين يبقى التصريح السعودي الرامي لإطلاق استثمارات في إيران والذي سينعكس على علاقة الخليج بدمشق وبيروت، والتقارب المصري-التركي، والغموض الذي تمارسه أبوظبي وعمان وعلاقة الجزائر وإيران بالمقاومة الفلسطينية، نقول يبقى كل هذا هو جديد المعادلة الدولية الجديدة والمطروحة على مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. فهل تنجح حكومته في فك هذا التعقيد في السياسة الدولية التي تواجهها إسرائيل ؟