المنبر الحر | جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر (5)

بقلم: ذ. عبد الواحد بنمسعود
من هيئة المحامين بالرباط
الموقف الشعبي
لم يتجاوب الشعب الجزائري مع السياسة الفرنسية في جميع الجهات بدون استثناء، خاصة في المناطق التي عرفت ضغطا فرنسيا مكثفا لتحويل اتجاهها الوطني، فلم يكن للإعانات ولا المساعدات التي تقدمها الإرساليات التبشيرية ولا للتعليم الذي وفرته المدرسة الفرنسية، ولا للمستوطنين الفرنسيين، ولا للمهاجرين الجزائريين الذين تنقلهم السلطات للعمل في فرنسا، أثر في فرنسة الشعب الجزائري المسلم، ما دفع مخططي السياسة الفرنسية إلى اتهام الجزائريين بأنهم “شعب يعيش على هامش التاريخ”.
بالمقابل، حارب الشعب سياسة التفرقة الطائفية برفع شعار: “الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا”، الذي أعلنه العالم والمجاهد الجليل عبد الحميد بن باديس، ورأى المصلحون من أبناء الجزائر في ظل فشل حركات المقاومة، أن العمل يجب أن يقوم في البداية على التربية الإسلامية لتكوين قاعدة صلبة يمكن أن يقوم عليها الجهاد في المستقبل مع عدم إهمال الصراع السياسي، فتم تأسيس “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” سنة 1350هـ/1931م بزعامة بن باديس، والتي افتتحت مدارس لتعليم ناشئة المسلمين، وهاجم بن باديس الفرنسيين وظلمهم، وشنع على عملية التجنس بالفرنسية وعدّها ذوبانا للشخصية الجزائرية المسلمة، وطالب بتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، فأثمرت هذه الجهود تكوين نواة قوية من الشباب المسلم يمكن الاعتماد عليهم في تربية جيل قادم.
وعلى الصعيد السياسي، بدأ الجزائريون في المقاومة من خلال التنظيم السياسي الذي خاض هذا الميدان بأفكار متعددة، فمنهم من يرى أن الغاية هي المساواة بالفرنسيين، ومنهم الشيوعيون، والوطنيون المتعصبون، وظهرت عدة تنظيمات سياسية منها: حزب “الجزائر الفتاة”، وجمعية “نجم شمال إفريقيا” بزعامة مصالي الحاج، الذي عرف بعد ذلك بحزب الشعب الجزائري، وتعرض زعيمه إلى الاعتقال والنفي مرات كثيرة.
التحضير لاندلاع الثورة التحريرية
وضعت اللمسات الأخيرة للتحضير لاندلاع الثورة التحريرية في اجتماعي 10 و24 أكتوبر 1954 بالجزائر للجنة الستة، ناقش المجتمعون قضايا هامة هي:
1) إعطاء تسمية للتنظيم الذي كانوا بصدد الإعلان عنه ليحل محل اللجنة الثورية للوحدة والعمل، وقد اتفقوا على إنشاء جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري المتمثل في جيش التحرير الوطني، وتكمن المهمة الأولى للجبهة في الاتصال بجميع التيارات السياسية المكونة للحركة الوطنية قصد حثها على الالتحاق بمسيرة الثورة، وتجنيد الجماهير للمعركة الحاسمة ضد المستعمر الفرنسي؛
2) تحديد تاريخ اندلاع الثورة التحريرية: كان اختيار ليلة الأحد إلى الإثنين أول نونبر 1954، كتاريخ انطلاق العمل المسلح يخضع لمعطيات تكتيكية-عسكرية، منها وجود عدد كبير من جنود وضباط جيش الاحتلال في عطلة نهاية الأسبوع يليها انشغالهم بالاحتفال بعيد المسيح، وضرورة إدخال عامل المباغتة؛
3) تحديد خريطة المناطق وتعيين قادتها بشكل نهائي، ووضع اللمسات الأخيرة لخريطة المخطط الهجومي في ليلة أول نونبر 1954.