المنبر الحر

المنبر الحر | ماذا يحدث بين المغرب وفرنسا ؟

بقلم: الحموتي محمد

باحث

 

    مرت العلاقات المغربية الفرنسية في العقد الأخير من فترات صعبة ومعقدة تحكمها الحسابات الجيوسياسة لفرنسا، ورغبة المملكة في لعب دور دولي وإقليمي نظرا للمتغيرات التي يشهدها العالم على كافة المستويات التي تخدم مصالح المغرب المتعلقة باستكمال وحدته الترابية.

هذا ما نلاحظه من خلال النهج الجديد للدبلوماسية المغربية في عهد الملك محمد السادس، والتي تتسم بالواقعية والحيوية واحترام التوازنات الدولية، وقد نجم عن هذا الخطاب السياسي الجديد، توسع المغرب في عمقه الإفريقي، ونسج علاقات قوية مع الزعماء الأفارقة لخدمة مصالح القارة تحت قاعدة “رابح رابح”، وهذا ما شجع الأقطار الإفريقية للوقوف إلى جانب المغرب في قضية الصحراء المغربية، وفتح قنصليات في هذه المنطقة للتأكيد على سيادة المملكة على الصحراء.

وتتابعت الاعترافات بعد ذلك من معظم الكيانات السياسية العالمية، وكانت الجائزة الكبرى للدبلوماسية المغربية هي الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في إطار “اتفاق أبراهام” في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وأمام هذا الوضع الجديد، اكتسبت المملكة ثقة أكبر، مما جعل وزير الخارجية ناصر بوريطة، يتوجه إلى الأوروبيين معلنا عن نهاية الوصاية السياسية، لأن مغرب اليوم ليس مغرب الأمس، وينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يحدد موقفا صريحا بخصوص الصحراء المغربية، لأنه لم يعد مقبولا ذلك الموقف الرمادي المبهم للأوروبيين، وهذا ما أكد عليه الملك محمد السادس في إحدى خطاباته عندما أشار إلى قضية الصحراء على اعتبارها المنظار الذي ينظر من خلالها المغرب في علاقاته السياسية والتجارية مع الأقطار الأخرى.

وهذا ما التقطته العديد من الدول داخل الاتحاد الأوروبي كإسبانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا… والتي اعترفت بجدية الطرح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي، إلا موقف فرنسا، التي اعتبرته نوعا من الاستقواء وخروجا من منطقة نفوذها، وهذا ما أكده بوريطة في أخر خرجة إعلامية له ليؤكد على ضرورة خروج باقي الدول الاتحاد الأوروبي من منطقة الراحة والاعتراف بالسيادة المغربية.

إلا أن تعنت الفرنسيين جعلهم يلجؤون إلى تحريك الدسائس ضد المغرب من خلال البرلمان الأوروبي والإعلام الفرنسي، عبر اتهام المملكة بقضية التجسس “بيغاسوس” ومحاولة رشوة بعض أعضاء البرلمان الأوروبي، إضافة إلى التشكيك باستقلال القضاء المغربي في قضية بعض الصحافيين.

وأمام هذا الوضع، لم يتردد المغرب في الرد بشكل دبلوماسي عبر إنهاء مهام سفير المملكة في باريس، وتحرك البرلمان بمجلسي النواب والمستشارين بإصدار بيان مشترك والإقرار بضرورة إعادة النظر في علاقته مع البرلمان الأوروبي لعدم اعترافه بالمواثيق الدولية التي تؤكد على ضرورة احترام سيادة الدول والعدالة جزء من سيادة المغرب، لكن الغريب في الموضوع، أن فرنسا والبرلمان الأوروبي لم يتحركوا أمام الفظائع التي تحدث في القارة العجوز، كالإسلاموفوبيا  التي انتشرت كالنار في الهشيم، حيث يتم ذم المسلمين ويحرق القرآن الكريم أمام أنظارهم ولا موقف حضاري يستنكر ذلك، كما أن المواقف العنصرية تجاه المهاجرين على الحدود الأوروبية والمعاملة اللاإنسانية التي يتم التعامل معهم بها في هنغاريا وبولونيا والنمسا بشهادة إعلامهم، ومع الأسف الصمت هو الجواب، إضافة إلى المشاهد المرعبة في حق المسلمين في الهند والصين وميانمار حيث الناس يحرقون ويذبحون، ولم نسمع أن البرلمان الأوروبي تحرك أو دعا إلى معاقبة مرتكبي هذه الجرائم.

غير أن فرنسا لم تستسغ صمود المملكة المغربية دفاعا عن حقوقها التاريخية، فالمغرب لم يعد محمية أو منطقة نفوذها، والأفارقة بدأوا يرفضون سياسات فرنسا في إفريقيا ونفوذها بدأ يتضاءل رغم محاولات ماكرون الأخيرة تغيير الاستراتيجيات، لأن المغرب وإفريقيا بدأت تعي أهمية تنويع الشركاء للحفاظ أكثر على الاستقلال وحماية الثروات، وهنا أستحضر مقولة للمفكر الألماني نيتشه: “الأغنياء لم يتركوا للفقراء إلا الله”، وهذه هي النظرة الأوروبية للقارة السمراء، فلم يتركوا لهم سوى الله مادامت الثروات يتم استنزافها من قبل الرجل الأبيض، والمغرب فهم لعبة الدبلوماسية مادام أن العلاقات الدولية يحكمها القانون الدولي، وهو من الدول القلائل التي تساهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين من خلال القبعات الزرق  الدبلوماسية الإيجابية في ليبيا واليمن وغرب إفريقيا.

إضافة إلى أن تنويع الشركاء الاستراتيجيين الجدد للمغرب، كإسرائيل وتركيا والصين وروسيا إضافة إلى أمريكا، جعله قادرا على مواجهة فرنسا ماكرون، وأمام الرفض الشعبي الإفريقي لفرنسا، كل هذا كان في صالح المغرب الذي يتميز أيضا بالعلاقات التاريخية والدينية مع دول جنوب الصحراء وهي بمثابة القوة الناعمة للدولة.

كل هذه التحولات جعلت الرئيس الفرنسي يصرح لإعلام بلاده بأن حكومته ليست مسؤولة عما يحدث بين البرلمان الأوروبي والمغرب وما يتداول حول قضية “بيغاسوس”، وأن له علاقة ودية مع المغرب، وهذا ما يسميه الخبراء السياسيون بالنفاق السياسي من أجل تحديد موعد لزيارة المغرب وإنهاء الأزمة الصامتة بين البلدين.

إلا أن الدبلوماسية المغربية أكثر إصرارا على ضرورة خروج فرنسا من المنطقة الرمادية وتحديد موقف واضح وصريح من قضية الصحراء المغربية، والكف عن استغلال الخلاف المغربي الجزائري لتحقيق مآرب اقتصادية وتجنبا لإزعاج النظام العسكري الحاكم في قصر المرداية.

والحقيقة التي ينبغي أن يعلمها ماكرون، أن المغرب ماض في استعادة الحقوق التاريخية على أرضه وليست هناك قوة تستطيع أن تصده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى