المنبر الحر

المنبر الحر | تنويع الأنماط البيداغوجية لتجويد شروط التعلم في المدرسة المغربية

بقلم: يوسفي بنعيسى

    لعل من بين الأمور التربوية التي تستأثر باهتمام المدرسين بشكل خاص، وتكتسي لديهم أولوية خاصة، وكل من هو مهتم بالتربية والتعليم في مستوياته المختلفة بشكل عام، مسألة “الأنماط البيداغوجية” التي تتميز بالكثرة والتنوع، وكل نمط من أنماطها له مقوماته التي ينبني عليها، وله خصوصيات معينة تختلف عن نمط آخر، وإذا كان هذا الاختلاف وهذا التنوع في الأنماط ينطوي على إيجابيات عدة، حيث يعطي الفرصة والإمكانية للمدرس في تنويع طرق ومسالك تقديم الدروس  لتلاميذه بأريحية تامة ودون عناء، إلا أن هناك من يقول بمنطق التجاوز وينشده على اعتبار أن هناك أنماطا بيداغوجية لم تعد قادرة على مسايرة التطور الحاصل على مستوى اكتساب المعرفة أو بنائها، أو أنها أبانت عن عدم الفاعلية والنجاعة على مستوى التحصيل أو تكتنفها تعقيدات معينة تجعل العملية التعليمية التعلمية صعبة ومعقدة، وما إلى ذلك من السلبيات الأخرى التي يزعم البعض أنها تقف حائلا أمام تحقيق الأهداف المرجوة من العملية ككل، وبالتالي، بات من الضروري تجاوزها والتوسل بأخرى أكثر استجابة لهذا التحول الحاصل على مستوى البرامج والمناهج والسياسة التعليمية عامة.

في الحقيقة، فرغم وجاهة هذا الطرح الذي يذهب في اتجاه التجديد البيداغوجي والديداكتيكي، والتأسيس لثقافة بيداغوجية جديدة أو لجيل جديد من الأشكال أو الاستراتيجيات الديداكتيكية على أنقاض ما سبق، إلا أنه من الصعوبة بمكان  محو كل الأنماط الأخرى التي تم التدريس بها والتي كانت إلى عهد قريب تحقق نتائج باهرة على مستوى التحصيل الدراسي، والتي أيضا بفضلها استطعنا الحصول على  أفواج من المتعلمين بإمكانيات وكفاءات عالية، إذ يصعب أن نتحدث في هذا السياق، عن قطيعة بين الأنماط القديمة والجديدة، بل يبدو على العكس تماما، فأنا مع منطق الاستمرارية والتراكم ولست مع منطق القطيعة والتجاوز، ولا زلت أومن بأن الأنماط البيداغوجية كلها قادرة على أن تؤدي وظيفتها الديداكتيكية ودائما لها راهنية خاصة، وحتى لو أردت تجاوزها أو التخلي عنها، فهي تفرض نفسها عليك بشكل أو بآخر، وهذا نابع بالأساس من كون أن لكل مدرس طريقته الخاصة للتواصل مع تلاميذه، وهذه الطريقة ليست نمطية صالحة لكل درس ولكل زمان ومكان، بل يمكن أن تتغير حسب الظروف والأحوال وطبيعة الدرس المقدم، والوعي بهذا يفضي حتما إلى تغيير الأسلوب أو منهجية العمل، وذلك قصد تحسين شروط التعلم وتحقيق الجودة المطلوبة.

فحسب باحثين في علوم التربية، فإن ممارسات التعليم والتكوين معقدة جدا ولا تختزل في تطبيق طرق ومناهج محددة سلفا، ذلك لأنه لا توجد طريقة معرفة علميا وصالحة في حد ذاتها للتدريس والتكوين، وتمكن من نجاح كل المتعلمين في أي زمان ومكان، لأن استخدام أي طريقة من طرق التدريس في سياقها الملائم، هو الذي يجعلها ذات جدوى.

بناء على ما سبق، نستطيع أن نجزم بأن الاستغناء عن بعض الأنماط البيداغوجية والاستعاضة عنها بأخرى بشكل عرضي، لن يخدم العملية التعليمية التعلمية، فالتقيد بشكل من أشكال البيداغوجية أثناء هذه العملية قد لا يعطي أي نتيجة في المحصلة، ومن حيث الأثر المادي الملموس الذي يعكسه مستوى المتعلمين بشكل مباشر، إلا أنه لإنجاح مثل هذه التجارب، فلا مندوحة أولا أن يكون المدرس ملما بهذه الأنماط البيداغوجية، وبمرتكزاتها ومميزاتها، ويمكن تصنيف هذه الأنماط إلى صنفين رئيسيين: صنف يهتم بـ”الإجراءات التربوية” ويتكون من: “النمط التقليدي”، الذي يركز على التلقين والمضمون، و”النمط الحديث” الذي يركز على المتعلم ، و”النمط الشكلي” وهو مركب، و”النمط اللاشكلي” وهو مختلط مرن يمزج بين عدة أنماط، وهكذا نجد أن بعض المدرسين يفضل هذا النمط على ذاك أو يمزج بينهم وهكذا دواليك، وصنف آخر يهتم بـ”الاختيارات التنظيمية” لتسيير القسم وعدة طرق على مستوى التخطيط والتدخل والتأديب والتقويم، وعلى هذا الأساس يمكن رصد ثلاثة أبعاد لهذا النمط: الأول هو “النمط الشخصي”، بمعنى أن شخصية المربي أو المدرس هي التي تطغى على كل شيء، ويرتبط هذا النمط بشخصية هذا المدرس أو المربي، والتي تعمل على إبراز الآراء والمواقف وتقبل الآخر، والعلاقة بالمعرفة والمكانة التي يوليها لها، والنظريات الضمنية، والتوقعات والتصورات التربوية التي يمكن أن تمارس على عمله والصورة التي يتمثلها على نفسه وعن تلامذته داخل نمطه الشخصي للتعلم، والثاني هو “النمط العلائقي التفاعلي”، فهاجس المدرس من هذا النوع هو ربط علاقة متينة مع التلاميذ بجانب نمطه الشخصي، فإن لكل مدرس طريقته في التواصل مع تلاميذه وكيفية التدخل في المجموعة، فإذا كان كل تعلم هو – قبل كل شيء – عملية تفاعلية، فإن النمط العلائقي هو الطريقة المثلى لخلق مناخ جيد يسمح بتطوير وسائل التواصل، وإبراز مهارات تمكن من ربط علاقات صحية مع التلاميذ ومراقبة ردود أفعالهم، أما البعد الثالث، فهو “النمط الديداكتيكي المنظم”، ويتميز باختيار وتنظيم الظروف الديداكتيكية والطرق التربوية والمناهج المستعملة من طرف كل مدرس، فتدبير الوقت وإعداد أنشطة المجموعات وتمرير التعلمات.. كلها وسائل تنظيمية فعالة وقارة تسمح بتمييز جوانب سلوكية عديدة عند المتعلمين.

إن الغاية الأساسية التي نريد الكشف عنها من وراء الاعتماد على تنويع طرق التدريس وتنويع استعمال الأنماط البيداغوجية أثناء الممارسة المهنية، هي تحسين ظروف التعلم عند المتعلمين، وإعطاء حرية التصرف للمدرس فيما يراه ممكنا ومساعدا في تبليغ رسالته النبيلة بشكل جيد، لأن أهل مكة أدرى بشعابها.                                                                 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى