المنبر الحر

المنبر الحر | هل نتفق على التأسيس لإمبراطورية المغرب الجديدة ؟

بقلم: نزار القريشي

    إن عبق التاريخ الذي يتسم به هذا البلد، وطننا المغرب، ببعده التاريخي وإشعاعه الدولي في إفريقيا وأوروبا وآسيا، حيث تعتبر المملكة المغربية ثاني مملكة مستمرة وممتدة في التاريخ بعد الإمبراطورية اليابانية، مما يؤكد جليا أن هذا البلد الذي كان إمبراطورية في عهود سابقة وبالأخص في عهد المرابطين والموحدين، هو المعلم والميسم الذي يلهب الحماسة فينا للتأسيس لإمبراطورية مغربية جديدة، وإن كان الهدف سيتحقق على المدى الطويل كاستراتيجية وكحق مشروع لكل أمة تسعى إلى إغناء وإحياء حضارتها وأمجادها السابقة، وهو رهان يجب أن يشتغل عليه كل المغاربة أطفالا شبابا ونساء وشيوخا، وذلك من أجل مغرب قوي لأجيالنا القادمة فلذات أكبدانا، وكما قال أحد الملوك العلويين الراحلين: “أعتبر أن كل مغربي حينما يولد، يكون مكتوبا على جبينه: هذا رجل يحب التحديات، ولا تخيفه المعارك أو الملاحم”.

لذلك، ففي دراسة تاريخنا عبرة لمن لا يعتبر، بدء من معركة “وادي المخازن” التي صدت وهزمت الحملة الصليبية لاحتلال الشواطئ المغربية، مرورا بمعركة “وادي اللبن” التي هزمنا فيها القوات العثمانية وانتهت بانتصارنا نصرا مبينا عندما تولى عبد الله الغالب، رابع سلطان سعدي، حكم البلاد بعد مقتل والده المغدور، السلطان محمد الشيخ، فالمقاومة المغربية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ضد الاحتلال الفرنسي والإسباني، التي كان بطلها الألمعي، رجلا مغربيا من الريف يحمل اسم عبد الكريم الخطابي، ثم المسيرة الخضراء لاستعادة  صحرائنا المغربية، حيث قاد المغاربة الملحمة سيرا على الأقدام لطرد الاستعمار الإسباني من الأرض المحتلة، وهنا لا يسعنا سوى التذكير بتاريخ المرابطين الذي انبثق عن حركة إصلاحية اعتمدت في بدايتها على كونفدرالية صنهاجة الأمازيغية بعد التحام عدد من قبائلها الكبيرة، حيث تحول هذا الالتحام إلى سند عسكري أفضى في النهاية إلى نشوء قوة اقتصادية جعلت القبائل تسيطر على عدد من الطرق التجارية، بالإضافة إلى الروح الإسلامية الإصلاحية المبنية على اعتقاد مالكي سني فسمت نفسها تسمية معبرة عن ذلك وهي “دولة الرباط والإصلاح”، وكانت عاصمتها قد انتقلت من أغمات ثم مراكش، سيطرت هذه الدولة الجديدة على رقعة جغرافية تمتد من المحيط الأطلسي غربا وبلاد شنقيط وحوض نهر السنغال جنوبا وهو مكان ميلاد الحركة، وامتدت شرقا لتحاذي إمبراطورية كانم وتزاحمها على بحيرة تشاد في الصحراء الكبرى، وامتد هذا المجال وتجاوز البحر الأبيض المتوسط فشمل أجزاء من شبه جزيرة إيبيرية وسيطرت على الأندلس، فكانت تحد دولة المرابطين من الشمال مملكة قشتالة ونبرة وأراغون، ومن الشرق إمارة بني زيري وبني حماد، وفي جنوب الصحراء، بحكم الأمر الواقع، كل من ممالك بامبوك وبوري ولوبي وإمبراطوريتي مالي وغانا، وأبرز وجوه هذه الحركة أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين، الذي أسس مراكش واتخذها عاصمة للدولة ودخل الأندلس وأخضعها لسلطته بعد “معركة الزلاقة”.

إلى ذلك، إن فترة الموحدين التي تلت فترة المرابطين، حكمت بلاد المغرب، والتي تسمى الآن الجزائر وتونس وليبيا والأندلس بين سنتي 1121م و1269م، وقد أسسها محمد بن تومرت واستحوذت على كامل إفريقيا وكانت لها حدود شرقية مع “مصر الكبرى” وحدود شمالية مع مملكة قشتالة وحدود شمالية مع شمال السنغال.

في السياق ذاته، فإن بلدنا المغرب يظل وسيظل بوتقة السلالات والثقافات والحضارات، ونموذج تاريخي جذير بالذاكرة الوطنية والعالمية عبر السلالات المتتالية التي مرت على حكم المغرب، كسلالة الأدارسة وسلالة المرابطين وسلالة الموحدين وسلالة المرينيين وسلالة السعديين وسلالة العلويين، لذلك فإنه بإرثنا التاريخي والسياسي والعسكري والثقافي، يبقى حقنا مشروعا في تأسيس إمبراطورية مغربية جديدة، تنهل مجدها من ماضي إمبراطورياتنا السابقة كتدفق سلس من جغرافية هذه الأرض المباركة نحو ارتباطها بموضوعها التاريخي، فبلدنا دولة عريقة ومتجذرة في أعماق التاريخ ومتعددة الثقافات، حيث توحدنا مغربيتنا في وطن جامع لكل أعراقنا المختلفة، وبناء عليه، فإن المطلوب من كل المغاربة أبناء هذا الوطن المخلصين له، هو التضحية بالغالي والنفيس من أجل مستقبل زاهر ووطن إمبراطوري لأجيالنا القادمة نساء ورجالا.. فهل نتفق على أن هذا المدى يسبق التأسيس لإمبراطورية مغربية جديدة موكولة على عاتق جيل هذه المرحلة والمرحلة الموالية في مدى أقصاه خمسون سنة ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى