المنبر الحر

المنبر الحر | دور القاضي في تفسير النصوص التشريعية

بقلم: مراد علوي      

    كثير من الناس يتكلمون عن القاضي ودوره في المحكمة والأعمال التي يقوم بها على أنها أعمال سهلة تدور فقط على إخراج النص القانوني المناسب للقضية الواقعة بين يديه ويطبقه عليها، ولكن في الحقيقة عمل القاضي صعب للغاية، لأنه يحاول أن يطبق العدالة في هذا المجتمع وأن يصدر قرارات بناء على أسس وأدلة كي يَنصر المظلوم ويحاسب المجرم.

فما هو تفسير النص القانوني؟ وما هي الخطوات التي يتخذها القاضي في إصدار القرار حالة عدم وجود نص قانوني يتكلم عن عمل أو حالة معينة؟ وما هي الشروط الذي وجب على القاضي أن يراعيها أو يقوم بها في حالة تفسيره؟

إن المقصود بعملية تفسير النص القانوني، هي عبارة عن توضيح المعاني والأحكام الذي يقصدها المشرع (الشخص الذي يضع القوانين) من النصوص، وبيان المعاني المستفادة من النصوص، حيث أن الأشخاص القانونيين يطبقوا ما الذي قصده المشرع من النص وما هو فحوى النص (المعنى المستفاد)، وأنهم لا يطبقوه حرفيا، بل يأخذوا فحواه على القضايا الموجودة لديهم، فالخطوات التي يتبعها القاضي في الوصول إلى القرار الصائب، تكون أولا: عندما توجد بين بيدي القاضي قضية معينة، يقوم بالبحث عن نص قانوني يُلائِم ويتحدث عن تلك القضية في التشريع المطبق في البلاد (الدستور أو القوانين الوضعية العادية)، فإذا وجد نصا يُلائِم تلك القضية، يقوم بتطبيق فحواه، حيث يكون النص في بعض الأحيان مقترنا بنص آخر يشرح ويوضح ما المقصود منه، وأن وجود النص يلزم القاضي الأخذ به، ولا يجوز له أن يجتهد من تلقاء نفسه في هذه الحالة تطبيقا لقاعدة “لا اجتهاد في مورد النص”، فإن لم يجد يبحث مجددا لإيجاد نص قانوني يتحدث عن قضية مشابهة يقوم القاضي بأخذ فحواها ويقوم بالتعديل عليها بما يتناسب مع وقائع القضية الموجودة لديه، وثانيا: في حالة عدم وجود نص يلائم تلك القضية، يتوجه القاضي إلى العرف السائد في البلاد، فينظر فيه ويبحث فيه محاولا إيجاد ما إذا نظم العرف تلك الأعمال أو لا، لأن العرف لا يؤخذ به إلا في حالة غياب النص القانوني، ثم في حالة ثالثة: إذا لم يجد القاضي في العرف يتوجه للأحكام القضائية (أحكام المحاكم)، فيحاول إيجاد قضية مشابهة، حيث يأخذ الحكم الصادر لها ويقوم بتعديله بما يتناسب مع وقائع القضية لديه، وهي   غير ملزمة للقاضي، حيث يمكنه أن يأخذ بها أو لا يأخذ (حسب النظام اللاتيني وهو المطبق في فلسطين، عكس النظام الأنجلوسكسوني الذي يعتبر الأحكام القضائية ملزمة للقاضي)، أما إذا لم يجد القاضي في الأحكام القضائية ما يناسب الواقعة بين يديه، فيمكن له أن يتوجه إلى تشريعات ودساتير والقوانين العادية للدول الأخرى، وينظر إليها محاولا إيجاد حكم للقضية التي بين يديه، أو إيجاد واقعة مشابهة لديها حكم فيأخذ بها ويقوم بتعديلها بما يتناسب مع القضية، وإذا لم يجد في التشريعات الأخرى، يقوم بالاجتهاد بنفسه لإصدار قرار وحكم مناسب.

فعندما يقوم القاضي بالاجتهاد، فإن اجتهاده ملزم له، بينما يكون غير ملزم للمحاكم الأخرى (يمكن أن يأخذوا بها أو لا)، ولا يستطيع القاضي أن يتخلف عن القضية وعدم إصداره للحكم فيها، حيث يجب عليه إصدار حكم بكل قضية موجهة إليه.

وهناك شروط يجب على القاضي مراعاتها في حالة التفسير، إذ يجب أن يكون النص القانوني في هذه الحالة يحتمل التأويل (فضفاض)، أي يمكن أن يُفهم منه أكثر من معنى، حيث أن المشرع لم يشرح ما هو المستفاد من ذلك النص، ويأخذ القاضي بالمعنى الذي فهمه من النص ويطبقه على تلك القضية.

وفي حالة إيجاده لحكم معين لتلك القضية من طرق أخرى (تشريعات الدول الأخرى ـ الأعراف ـ أحكام المحاكم)، وجب على القاضي أن يُبين في تعليله أسباب تفسيره للنص والأدلة التي استخدمها لإصدار ذلك القرار. 

ومن هنا، فإن عمل القاضي ليس بهيّن ولا بسيط، فهو يقوم بدراسة وقائع تلك القضية ودراسة النصوص القانونية والأخذ بالمعنى الذي فهمه، فإن لم يجد نصا يتحدث عنها يلجأ إلى وسائل أخرى لاستخراج حكم مناسب لها، حيث يقوم أيضا بأخذ مدة مناسبة للقيام بتلك الأعمال حتى يستطيع أن يطبق العدالة بحذافيرها على كل القضايا التي بين يديه، والتي ستُصبح بين يديه في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى