المنبر الحر | صفحات من تاريخ نظام العسكر في الجزائر (2)

بقلم: عبد الواحد بنمسعود
افتحوا كتاب شارل أندري جوليان (الجزء الثاني. الصفحة 131)، لتطلعوا على خريطة المغرب أيام الموحدين، وعلى شماله المشرف على البحر الأبيض المتوسط، وكان يمتد من طنجة إلى تونس، وبعدها سوسة، والمهدية وصفاقس، وقابس.
وفي ذلك العهد، كان المغرب يصدر القمح والشعير لدول الجوار، ويحمي السفن التجارية من هجومات القراصنة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وشيد أول جامعة علمية وهي جامعة القرويين، كما شيد مصنعا لصنع السلاح، وخطبت وده دول مختلفة، وأقام علاقات دبلوماسية مع أمم كان لها وزنها على الصعيد العالمي، بينما كنتم تحت سيطرة الحكم العثماني، ولم تتحرك نخوتكم وشعوركم الوطني لتحرير البلاد من السيطرة الأجنبية، ولم تطلبوا بحق تقرير المصير، ولم تطلبوا بتصفية الاستعمار.
لذلك قال رئيس الدولة التي استعمرتكم أزيد من قرن، بعد اطلاعه على الأرشيف، أن الجزائر لم تكن دولة، ولم يشهد لها التاريخ بكيان دولي حتى وقعت فريسة للاحتلال العثماني مدة أربعة قرون، ثم الاستعمار الفرنسي مدة 132 سنة، وأن المملكة المغربية كانت – وخلال فترة قصيرة – آخر ضحية للاستعمار الفرنسي بسببكم، ومع ذلك، لم ينعم الاستعمار بالهدوء، لأنه وجد مقاومة قوية صلبة من ملوكه وشعبه، إلى أن كانت الخاتمة بهزيمة الاستعمار والاعتراف باستقلال المغرب واسترجاع سيادته وأقاليمه الصحراوية.
من الخطط الفاشلة، والمهزلة التي أضرت بسمعة وكرامة الشعب الجزائري المناضل، استقبال أغبياء السياسة لرئيس دولة كانت تستعمرهم استقبال الفاتحين والأبطال، ولم يكن ذلك أمرا غريبا، لأن بعض عسكر الجزائر رضعوا من حليب الاستعمار وشبوا على مبادئه، وغرسوا في أذهانهم نوازع الاستعلاء والسيطرة، وزعزعة البلاد الآمنة، استقبلوا بحفاوة بالغة رئيس الدولة التي نهبت – ولا زالت – تنهب خيرات الجزائر، واتخذوا من أطفالها ونسائها خدما في منازلهم، وعمالا في حقولهم، وقتلوا مليون شهيد، ويضاف إلى ذلك مهزلة المطالبة باسترجاع الجماجم وهي عظام رميم.
استقبل بعض العسكر ذلك الرئيس بالعناق الحار ظنا منهم أنه سيتبنى أطروحتهم الانفصالية، وينساق مع مخططهم، فأبرموا معه اتفاقيات وبموجبها يتنازلون مجانا عن خيرات الجزائر لمن رباهم على الإرهاب، ودربهم على قتل أشقائهم بتسخير المرتزقة في الأعمال العدائية، مع أن الشعب الجزائري بكفاحه المرير أحق بالاستفادة من ثمرات تلك الخيرات بدلا من الوقوف صفوفا طويلة وطيلة اليوم للحصول على قنينة الغاز في دولة تدعي أنها المصدر الأول لمادة الغاز.
لقد غاب عن هؤلاء أن بلاد الغرب تقدر وتزن مصالحها على ضوء ما يربطها بدول أخرى من معاهدات، وما تجنيه من مصالح وأرباح، وفي عرف السياسة الغربية، أن دولها لا تتعامل بمعيار الصدقات والمحبات والجوار، بل بمعيار المصلحة.. المصلحة فقط.
وهكذا، فإن استعمار الجزائر لمدة 132 سنة، وقتل كما قيل مليونا من شهدائها، فاز بهبة لا تقدر بثمن، ليتخذ الموهوب له موقفا معاديا للقرار الذي صوت عليه مجلس الأمن، القرار 2654 بجميع فقراته، والكل أصبح على علم بمحتويات الفقرات الثلاث المهمة من ذلك القرار الذي حظي بموافقة 13 دولة.
فحكام الجزائر طرف معني بالأزمة المفتعلة رغم محاولات التملص، وعليهم أن يجلسوا على مقعد من مقاعد المائدة المستديرة، وتقديم الأسباب التي جعلتهم يقفون موقفا عدائيا في طريق تحرير المغرب لأقاليمه الصحراوية وبسط سيادته عليها لتنعم بالرقي والازدهار، وتسير جنبا إلى جنب مع الأقاليم الشمالية، ولتحرير المرأة المغربية المعتقلة في مخيمات العار بتندوف، وليلتحق الأطفال بالمدارس لتلقي العلم بدلا من تدريبهم على حمل السلاح، واتخاذهم أذرعا في حروب وأزمات مفتعلة، وللعناية بالشيوخ وتمتيعهم بقية حياتهم بالرعاية الاجتماعية.
هؤلاء الحكام عليهم أن يرضخوا لقرار مجلس الأمن، ويسمحوا لبعثة “المينورسو” بالقيام بواجبها والدخول لمخيمات الاعتقال لمراقبة أحوال المسجونين، ومنهم من دامت فترة اعتقاله 40 سنة دون ذنب اقترفه، ومنهم من اختطف وهو طفل يافع وتركوا الأمهات في حرقة ملتهبة على فلذات كبدهم.