المنبر الحر

المنبر الحر | الذي يدفع ثمن المعزوفة هو الذي يختارها

بقلم: عثمان محمود

    لماذا تواريخ المهرجانات السينمائية العالمية والمحلية على حد سواء، محددة وأماكنها معلومة، ولا يزيدها توالي الأعوام وتعاقب السنوات إلا رسوخا وثباتا؟ لماذا تعد القاعات الفسيحة لاستقبال الحاضرين والحاضرات من أهل الفن السابع والمهتمين بشؤونه، وتتراقص الأضواء في سماء تلك القاعات خلال مهرجاناتها موفرة أجواء احتفالية في أعلى المستويات؟ لماذا يفرش البساط الأحمر على مسافة من بوابة مقر إقامة الاحتفال الرسمي، فتدوسها في تبختر وخيلاء أقدام نجوم ونجمات الأفلام التي فرضت نفسها على القاعات السينمائية لأسابيع بعينها؟ لماذا تتفنن الكاميرا المتابعة لأطوار تلك المهرجانات في عرض صور الممثلين والممثلات والمخرجين والمخرجات في أزياء استعراضية ووضعيات مختلفة قصد مزيد من الإثارة لفضول المتابعين والمتابعات لأجواء الاحتفالات عبر الشاشات الفضية؟ لماذا تحدد جوائز ذات أسماء معبرة، تعلي من كعب الحائز عليها وتبقي على ذلك في سجله للقادم من الأعوام والعقود؟ ولماذا يحظى الفن السينمائي بكل هذا الاهتمام والرعاية، وهذه الأبهة البالغة درجة قصوى من الشطط، في حين نرى الجوائز التي تخص باقي المجالات، وعلى رأسها المجال العلمي، تكاد تكون على رؤوس الأصابع، وإقامة احتفالاتها المشيدة بمن يستحقونها عن جدارة تمر في غفلة من الزمان، وأسماؤهم قابعة في الظل، إذ لا تشير إليهم وسائل الإعلام إلا من زاوية ضيقة، ولا تبالي المبالاة المستحقة بجوائز تقدم لباحثين وباحثات وعلماء وعالمات أفنوا سنوات من أعمارهم في الجد والكد والبحث المتأني لبلوغ الغاية والقصد من أجل خدمة الإنسانية تكنولوجيا وصحيا واجتماعيا ونفسيا وتاريخيا، وما إلى ذلك؟

لذلك، لا يستغرب المرء إذا رأى وسائل الإعلام، على سبيل المثال لا الحصر، تشير في لمح البصر إلى عودة رائد الفضاء من المحطة الدولية بعد أشهر من التجارب العلمية في ظل انعدام الجاذبية، وفي مقابل ذلك، نعاين وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها خلال المهرجانات المذكورة حاضرة بكثافة، حيث يُرى المصورون والصحافيون في سباق محموم لالتقاط صور خاصة لنجوم ونجمات الفن السابع، وإجراء مقابلات معهم لإرضاء فضول جمهورهم العريض، أم أن الأمر في أساسه يرجع إلى أهم عنصر في صناعة الأفلام من أول مرحلة إلى آخر مرحلة، وأعني به الإنتاج السينمائي الذي يمثله في الغالب الأعم أصحاب الملايير “الممليرة” الذين يغدقون بسخاء على الأفلام الكبرى ويعملون على الترويج لها بالشكل المدروس حتى تستوطن القاعات السينمائية أسابيع وأسابيع، فتدر حينها الأرباح أضعافا مضاعفة، وللإبقاء على نهر تلك الأرباح جاريا، تصرف بالطبع الأموال الطائلة على المهرجانات السينمائية العالمية، فتتابع الكاميرا – أداة السينما الفعالة – كل حركات وسكنات الضيوف، وعلى الخصوص النجوم والنجمات، في احتفالية تذهل الألباب وتسحر العقول، وفي غمرة ذلك تسلم الجوائز، وكل هذا – ولا شك – يساهم في التألق والشهرة، ويحفز على مواصلة السير على درب الاشتراك في أفلام أخرى ذات حضور وازن، وذات هوامش ربحية عريضة.. حقا إن الذي يدفع ثمن المعزوفة هو الذي يختارها!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى