المنبر الحر

المنبر الحر | نقاش هادئ حول تعديل مدونة الأسرة (1)

بقلم: ذ. عبد الواحد بن مسعود   

من هيئة المحامين بالرباط

    الحدث البارز الذي شغل الوسط الاجتماعي والذي كاد أن يسيطر على بقية الأحداث التي تروج، وارتفعت فيه الأصوات مطالبة بإدخال تعديل على مدونة الأسرة التي خرجت لحيز التنفيذ منذ سنة 2004 وحلت محل قانون الأحوال الشخصية، وظهر تيار نسوي يطالب بهذا التعديل لأن التطبيق العملي لمدونة الأسرة لم يسفر عن النتائج المتوخاة، بل أتى تطبيق مدونة الأسرة بنتائج عكسية وسلبيات لم تكن في الحسبان، وانعكس أثرها على المرأة، ويكفي القول أن الإحصاءات الرسمية أشارت إلى أن معدل الطلاق ارتفع بشكل مهول وبلغ خلال هذه السنة ما يزيد عن 27 ألف حالة طلاق، وعلينا أن نتصور انعكاسات هذه الظاهرة المفجعة على الأطفال وعلى الذين يوجدون في وضعية هشة بعد تفكيك روابط عقد الزوجية وتفكيك شمل الأسرة، وهكذا يمكن القول بأن المرأة التي كانت متحمسة بالأمس وتطالب بإلغاء قانون الأحوال الشخصية، وقفت اليوم بحزم لتطالب بإدخال تعديل جذري على مدونة الأسرة، حيث ثبت أن تلك المدونة بما حملته من مستجدات، أصبحت في غير صالح المرأة وخاب أملها بعد تطبيقها، ولم تحقق للمرأة تطلعاتها في تكوين أسرة تنعم بالاستقرار والاحترام المتبادل بين الزوجين، والمعاشرة الحسنة والتعاون على حماية الأسرة من كل مكروه، وتربية الأطفال في جو تسوده الطمأنينة وإعداد هؤلاء الأطفال لمستقبل زاهر، وأكدت المرأة في طلب تعديلها ليدخل حتى على القواعد والنصوص القاطعة التي لا جدال فيها مثل قواعد الإرث.

لقد ظهر رأي متطرف لما طلب إلغاء قانون الأحوال الشخصية ووصف ذلك القانون بأنه سيء الذكر وذهب إلى غير رجعة، لأنه كان قانونا لا يساير تطلعات المرأة، ولم يكن كافيا لحماية حقوقها ولا يحقق المساواة بين الجنسين.

وكان لا بد أمام هذه الدعوة الرامية إلى تعديل مدونة الأسرة، أن نذكر بالمرحلة التي سبقت تطبيق مدونة الأسرة.. فبعد استقلال المغرب والشروع في تدوين القوانين والقواعد الفقهية، شكلت لجنة من كبار فقهاء وعلماء المغرب ممن لهم باع طويل في علوم الشريعة كتابا وسنة وفقها، وعهد لتلك اللجنة بصياغة القواعد الواردة في الكتاب الكريم وفي السنة الشريفة وما وقع عليه إجماع أئمة المذاهب الفقهية، وتدوين تلك القواعد في شكل نصوص قانونية وكلها تهتم بما له صلة بموضوع الأحوال الشخصية كالخطبة والزواج والنسب والطلاق والحضانة والنفقة والإرث والتحجير وحقوق القاصرين.. وكل ذلك جاء في الكتب الخمسة التي يتكون منها قانون الأحول الشخصية.

ومما يجب التذكير به أيضا، أن قانون الأحوال الشخصية لم يخرج عما هو مقرر بنص صريح في القرآن الكريم وما ورد في السنة الشريفة وما ورثناه من اجتهادات عن الخلفاء الراشدين والأئمة الصالحين، لذلك لم يقع تطبيق قانون الأحوال الشخصية في المطبات التي وقعت فيها الآن مدونة الأسرة، ولم تسجل الإحصاءات هذا الرقم المهول لظاهرة الطلاق وانهيار كيان الأسرة بسلوك مسطرة تتسم بالسرعة لفك روابط الزوجية بأسباب واهية وتشريد الأطفال وحرمانهم من حنان الوالدين، وذلك ما يؤثر على دراستهم ومستقبلهم وخلق عقد  نفسية تضر بوضعهم الصحي.

بعد اطلاعنا على مشروع مدونة الأسرة وهو قيد النقاش والحوار وما حمله من مستجدات، تبين لنا في ذلك الوقت أن بعض تلك المستجدات ذات صبغة غربية غريبة عن معتقداتنا وتقاليدنا وأعرافنا، ومن ذلك مثلا مراعاة ظروف المغاربة المقيمين في الخارج ولما يجري به العمل في بلدان المهجر والإقامة، خاصة في موضوع الزواج والطلاق.

ونشرنا في جريدة “الأسبوع” الغراء عدة مقالات وتحليلات تتعلق بما جاء في مشروع مدونة الأسرة، ونبهنا إلى أن تطبيق ما جاء في بعض المستجدات ستكون له انعكاسات خطيرة على الأسرة المغربية، بل بعضها مخالف لنصوص شرعية قاطعة الدلالة ولا يتلاءم تطبيق بعض موادها في دولة دينها الرسمي هو الإسلام، وكون المغاربة صوتوا خلال مرحلة وضع أول دستور، على أن الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد، فكيف يمكن أن نتنكر اليوم لذلك التصويت ونوافق على قانون تخالف بعض أحكامه ما تنص عليه الشريعة الإسلامية؟

هذا الاتجاه هو الذي أكده صاحب الجلالة باعتباره أميرا للمؤمنين وحامي حمى الملة والدين، وأكد في خطابه أنه لا يوافق على تحريم ما أحل الله ولا أن يحلل ما حرم الله.

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى