المنبر الحر

المنبر الحر | خطط واشنطن والاستراتيجيات الجديدة 

بقلم: نزار القريشي

    بات من الواضح جليا أن السعي الأمريكي المتواصل لتفكيك الحلف الصيني-الروسي- الكوري شمالي، هو هدف استراتيجي لاستخبارات البنتاغون، لذلك فإن استمالة الرئيس جو بايدن لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وبعده الرئيس الصيني، على هامش “قمة العشرين” بأندونيسيا، يصب في محاولات أمريكا الحثيثة والرامية لاختراق الحلف المذكور، وذلك وفق “توصيات كيسنجر” للإدارة الأمريكية الحالية، غير أن الدولة العميقة في أمريكا، ومن خلال تمريرها لفوز الحزب الديمقراطي بمجلس الشيوخ كمساعدة لبايدن في نهجه بأوكرانيا ضد الروس، هو تأكيد لاستمرار التخوف الأمريكي من صعود قوة الصين ومعها روسيا، وهو ما يفسر الخروج الأمريكي الجزئي من الشرق الأوسط وانتقاله وتركيزه على شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، إذ تبقى الملاحظة المهمة، أن الصين كانت قد تجاوزت أمريكا في تسجيل براءات الاختراعات العلمية والتقنية منذ سنة 2019.

إلى ذلك، إن هدف واشنطن التالي بعد إنهاء الحرب في أوكرانيا، هو الصين، غير أن مبادرة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ورؤيتها الخاصة حول إنهاء الصراع في أوكرانيا بالتفاوض مع روسيا، هو الذي دفع بالجيش الروسي للانسحاب الجزئي من منطقة خيرسون كحسن نية للانخراط في عملية التفاوض، لكن استخبارات البنتاغون أرادت، ومن خلال تبادل الأدوار مع “سي. آي. إي”، لفت انتباه العالم إلى أن الانسحاب الجزئي من خيرسون هو هزيمة معلنة لموسكو، وذلك في إطار الدعاية الحربية، إذ أن معارضة البنتاغون والرئيس زيلينسكي لمبدأ التفاوض هو ما أدى إلى التطور العسكري الذي حدث داخل حدود بولونيا، وهو تأكيد من الجيش الروسي على أنه لا يخاف المواجهة مع “الناتو”، وأن الانسحاب الجزئي من خيرسون هو مجرد تكتيك حربي وليس هزيمة، وأن الحرب مستمرة.. 

تتمة المقال بعد الإعلان

غير أن الملاحظة الأساسية في خضم ما يجري، تؤكد لنا أن الغرب شبه منهار على الصعيد الاقتصادي والعسكري، بسبب حرب أوكرانيا وتداعياتها على عموم أوروبا، فالاتحاد الأوروبي مقبل على مرحلة تفكك تنذر بسقوط أسطورة هذا الغرب، وصعود الصين، غير أن ثمة عراقيل جمة في الطريق تنتظر صعود الصين كدولة أولى تقود العالم، فالغرب خطط على المدى البعيد، وكاستراتيجية طويلة الأمد، لإشعال حرب استنزاف بين الهند والصين، وبين الصين وروسيا، وهو ما يؤشر إلى كتلة الأحداث التي تنتظر الجيش الصيني على المدى البعيد جدا، إذ أن الغرب يرقص رقصة الديك المذبوح، ويرفض التنازل عن عرش العالم، فالجيش الروسي استنزف الغرب على الساحة الأوكرانية، ولديه الإمكانيات النووية للذهاب بعيدا ضد “الناتو”، غير أن الاختراقات المتبادلة بينهما، وعدم استخدام خيار السلاح النووي، فرض على الطرفين عدم حسم المعركة، لذلك فمن المؤكد أن مواجهة أمريكا للصين ستصطدم بحماسة وشجاعة الزعيم الكوري، كيم جون أون، ودعمه اللامشروط لبكين وموسكو، مع امتياز استباق وتمكن الجيش الصيني من الحصول على تقنية “الجيل السادس” الخاصة بالمعدات العسكرية. 

وعلى صعيد آخر، فإن طرد روسيا لفرنسا من إفريقيا، هو ما جعل الرباط تملأ الفراغ الفرنسي وبقوة، إذ تعتبر المملكة المغربية القوة الاقتصادية الأولى بالقارة، والمستثمر الأول بها، والملاذ المفضل للأدمغة الإفريقية، غير أن المناورة البحرية الجزائرية-الروسية، التي أمنت مرور الطرادين الروسيين عبر جبل طارق مؤخرا، هو ما أثار الصدمة بالنسبة للفرنسيين والإسبان ومعهم البريطانيين، فقوة عرب شمال إفريقيا وخصوصا الشقيقان المغرب والجزائر، أدخلت البلدان في نادي التوازنات بين الكبار كطرفين رئيسيين في المعادلة الإقليمية والدولية، وهو ما يستدعي ضرورة إيجاد حل للأزمة الليبية، عبر العودة لمرجعية تفاهمات الصخيرات لحل أزمة ليبيا، والتي تفاقمت نتيجة التدخل الأجنبي، فالوضع الليبي الذي شوش على الجيش المصري من جهة حدوده الغربية، بات يتطلب العودة لطاولة الصخيرات من جديد، وبحضور ممثلي أطراف الأزمة الداخلية، والأطراف الإقليمية التي لها حدود مشتركة مع ليبيا، قصد إيجاد ترتيبات للحل النهائي وعودة ليبيا موحدة إلى الصف العربي. 

من جهة أخرى، يبقى الوضع في أوكرانيا مؤهلا للتصعيد بعد القصف الروسي الذي تزامن والزيارة السرية لويليام برنز، مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية لكييف، فالتصعيد الروسي قد يؤجل معه الجيش الأمريكي استفزازه لنظيره الصيني في بحر الصين الجنوبي، والأزمة التي سيفتعلها حول تايوان. 

تتمة المقال بعد الإعلان

هذا، ويكرس عدم التعاون الأمريكي مع تركيا، بعدم إخبارها بالعملية الإرهابية التي استهدفت “ميدان تقسيم” بأسطنبول، شرخا عميقا في العلاقات بين البلدين، ويؤكد احتمال نهاية هذه العلاقة، ويؤشر على وضع غامض لمستقبل قاعدة “أنجيرلك” على الأراضي التركية، مما سينعكس على التحالفات الإقليمية بالشرق الأوسط، والبحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود، امتدادا لبحر إيجة وبحر البلطيق، وقد يتطور الأمر لتعاون روسي-تركي يمتد إلى مرحلة ما بعد أردوغان، مما يضع معه أثينا في عزلة تامة، ويحشرها في الزاوية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى