المنبر الحر

المنبر الحر | نحو النهوض بالرياضة في المؤسسات التعليمية

بقلم: عثمان محمود

    بغض النظر عن أن توزيع الحقائب الوزارية كان وراء إلحاق الرياضة بالتربية والتعليم، فإن هذا الإلحاق، من منظوري الشخصي، في محله، ما دامت المهمة السامية لهذه الوزارة هي إعداد الأجيال الصاعدة، وتنشئتهم تنشئة متكاملة عقليا وروحيا وبدنيا، وهذا ما يحتم أن يكون للرياضة تواجد فعلي في تلك التنشئة الحقة بدل أن تنصرف جهود الساهرين على هذا القطاع إلى تسيير دواليبه العامة، بما في ذلك الإشراف على التباري في مختلف الرياضات، وتنظيم البطولات، وتتبع الهيئات المشرفة على الأندية والمنتخبات الصغرى والكبرى، والمشاركة في الملتقيات المحلية والقارية والدولية، وما إلى ذلك، والمطلوب هنا هو أن تلتفت الوزارة الوصية بعين الاهتمام إلى البنية التحتية داخل المؤسسات الابتدائية والإعدادية والثانوية، من ملاعب وقاعات رياضية خاصة، والسهر على تكوين مدرسين مؤهلين لإعداد التلميذ بدنيا، وتنشيطه على مدار الأسبوع، قصد تلقي الدروس بارتياح، وترسيخ مضامينها بالشكل المرجو عملا بالقولة التي يرددها التلاميذ دون العمل بمضمونها “العقل السليم في الجسم السليم”، كما أن إعطاء الاهتمام العملي بالرياضة البدنية في هذه المراحل الدراسية، يوفر فرصة مواتية لاكتشاف المواهب في مختلف الرياضات إذا كان هناك تنسيق بين الوزارة وجميع الأندية الرياضية على اختلاف مشاربها، من أجل تبني الطاقات الواعدة ورعايتها، وفي ذلك، ولا شك، تغذية لها وتجديدا لدمائها، وهو ما تحتاج إليه الرياضة في هذا العصر الذي غدت فيه صناعة تتطلب الاستثمار الأمثل، فضلا عن أنها أضحت بحق السفيرة الناجحة التي لا تألو جهدا في التعريف بالبلد، ورفع رايته خفاقة في الملتقيات القارية والعالمية، ولنا المثل الأوضح في الدول التي تتصدر سبورة الميداليات في الألعاب الأولمبية وما يشبهها، أضف إلى ما سبق، فإن توفير الأجواء المناسبة للتلاميذ لممارسة الرياضة وفق طرق مدروسة، ووسط ملاعب مؤهلة، وتوجيهم وإرشادهم؛ كل ذلك من شأنه أن يصرفهم عن متاهات الانحراف، وويلات التعاطي للمخدرات وما يدور في فلكها، ويقلل من انقيادهم الأعمى لسلطان الهواتف الذكية، وليس بالضرورة أن يكون كل أولئك التلاميذ والتلميذات أبطالا وبطلات في نهاية المطاف، بل الأهم هو أن يصير للرياضة حضور في حياتهم اليومية، مع الوعي بدورها الصحي، وجدوى استغلال الأوقات الفارغة في ممارستها، وخطورة تغييبها أو الإساءة إليها بسلوكات خاطئة، كالإقبال على المأكولات الضارة بالأبدان، أو الإدمان على التدخين.

إن مثل هذا الحضور للرياضة سيقلل – بلا ريب – من التصرفات المشينة التي باتت تشكو منها الأسر ومعها المجتمع، والتي يكون أبطالها، يا للحسرة، مراهقون ومراهقات، وفي ارتباط مع هذه النقطة، ينبغي على المؤسسة التعليمية أثناء إعدادها لجيل يولي الرياضة كبير العناية، أن تزرع فيه بذرة التنافس الشريف الذي يقدر الخصم، ويعترف بالهزيمة، ويشجع المتنافسين بروح رياضية بعيدا عن كل تشنج يضر بالأعصاب، ويتحول إلى شغب جارف يخرب الممتلكات العمومية ويعرض حياة الآخرين للخطر، ويستنفر السلطات، ويجعل التفكير فيما بعد نهاية المباريات مضنيا.

تتمة المقال بعد الإعلان

وعليه، فإنه لا ينبغي أن تبقى الرياضة في الظل، بعد أن صارت مهمة الإشراف على شؤونها بيد الوزير الذي يدير دفة التربية والتعليم بما فيه الأولي، فقد آن الأوان أن تحضر الحضور الفعلي الجاد والمدروس داخل قاعات الدرس، والملاعب بالمؤسسات، أو تلك التي تخص الأندية المنفتحة عليها، وحان الوقت ليتخلى التلميذ والمدرس معا على اعتبار الرياضة مادة ثانوية، وأنه لا أهمية لها داخل الزمان المدرسي، وللأسف البالغ، فإن هذه النظرة حاضرة في العديد من المدارس الخاصة التي تفتقر لنسبة كبيرة منها للملاعب المعدة بالشكل المطلوب لتقديم الدروس الرياضية العملية، والتبرير هنا هو أن الذي يهم الآباء في نهاية المطاف هو حصول أبنائهم على معدلات عالية حتى لو تطلب ذلك إضافة ساعات في الليل أو خلال أيام العطل، أما الترويح عن الأنفس، وترويض الأبدان وتقويتها، فلا علاقة له بتلقي الدروس واكتساب المعارف.                          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى