تحليلات أسبوعية

بين السطور | عن أي قمّة يتحدثون ؟

بقلم: الطيب العلوي

    من ابن خلدون إلى الملك فيصل مروراً بجمال عبد الناصر.. كثير من الشخصيات عبر التاريخ تسلحوا في خطاباتهم بجملة “اتفق العرب على ألّا يتفقوا”، هذا دون علم ولا دراية بمصدرها الأصلي، ليبقى سردها في إحدى الأبيات الشعرية لجمال الدين الأفغاني، أول مرة نسمع بها.

لكن الزمن الذي يمضي، والأحداث التي تتسلسل أمام أعيننا(…) تؤكد يوماً بعد يوم صحة وثبات الفكرة(…)، وتاريخ كل الدورات التي شهدتها قمم الدول العربية، أغلبها عرفت على أقل تقدير انصراف أحد أعضائها من ملوك أو رؤساء دول، أو اعتذار على عدم الحضور، أو شِجار أمام الملأ ولو لفظي، أقدمها كانت عام 1969 في الرباط، لما كان معمّر القذافي حينها شابا صغيراً لا يفقه شيئا في البروتوكول(…)، وقبل بدء أعمال القمة، جاء رئيس الديوان الملكي آنذاك ليقبّل يد الحسن الثاني وتبليغه أن القاعة جاهزة، فإذا بمعمر القذافي يُفاجأ بما رأى ويصيح: “ما هذا ؟ تقبيل الأيادي ؟ عدنا إلى عصر العبودية ؟ لا ! هذا شيء مرفوض تماماً”، لتستمرّ مصادمات نفس القمّة لمّا دخل القذافي في شِجار مع الملك فيصل آل سعود ووضع مسدّسه على الطاولة، ما دفع الملك السعودي إلى الانصراف من القمّة مندّداً بلغة المسدّسات، قبل أن يتدخل كل من الحسن الثاني وجمال عبد الناصر ليأمرا العقيد الليبي بالمغادرة، لكنه واصل الفوضى لمّا التفت إلى أوفقير وصاح في وجهه: “اقبضوا على هذا الرجل ! هذا قاتل، مكانه السجن وليس هنا”، في إشارة إلى اتهامه باغتيال المهدي بنبركة، فوضى وصياح انتهى بعدم إكمال جدول أعمال القمة بعد مغادرة ملك السعودية لقاعة الاجتماع ورفع الحسن الثاني للجلسة.

وواصلت القمم العربية فوضاها مع “القربلة” التي أُحدثت في قمة فاس عام 1982، إزاء الملاسنات الخطيرة التي جرت بين الرئيس صدام حسين ونظيره السوري حافظ الأسد، بسبب مواقف سوريا من حرب الخليج الأولى، والتي كانت قد أعلنت دعمها لإيران في حربها مع العراق، مشادّات أطالت توتر العلاقات بين العراق وسوريا لأزيد من 4 سنوات، قبل حلول عام 1990، الذي تم فيه انعقاد القمة العربية ببغداد، والتي طالبت فيها كل من العراق وفلسطين بإصدار إدانة شديدة اللهجة ضد كل من أمريكا وإسرائيل، الشيء الذي قوبل بالرفض من طرف مصر والسعودية حتى لا يغامروا بمصالحهم مع أمريكا، ما أبان عن خلاف واضح بين وزراء الخارجية العرب، وجعل القمة العربية لبغداد من أكثر القمم التي سادتها أجواء الخصام الحاد والعنيف.

تتمة المقال بعد الإعلان

ولن أطيل عليكم بتفاصيل هذه الخلافات، ما دام “اليوتيوب” اليوم مليء بباقي ما جرى من خصام بين العرب في قممهم(…)، من المشادة الطويلة التي حصلت بين حسني مبارك والقذافي سنة 1990، والصدام الشهير للملك عبد الله بن عبد العزيز مع القذافي في مؤتمر القمة العربية عام 2003 بشرم الشيخ و”زيد وزيد”.. لكن اليوم، وما يميّزه عن الأمس، هو أنه إذا كان سوء التفاهم يظهر على العرب خلال قممهم من قبل، فلقد صار ينكشف اليوم حتى قبل انعقادها، فسواء حضر المغرب أو غاب عن القمة العربية القادمة التي ستحتضنها الجزائر، بعد أن قررت السلطات الجزائرية إيفاد وزير العدل الجزائري إلى المغرب، لتسليم دعوة الحضور إلى قمة كانت دائما مصدر فوضى ونزاعات، نحن في غنى عنها الآن، وليحضرها ممثلو مغرب تم منع مواطنيه من ولوج أو حتى التحليق فوق سماء البلد المنظم لها، فأنا شخصيا، ومن وجهة نظري فقط، أرى في الأمر تسليم “ترخيص” للحضور أكثر مما هو “دعوة”..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى