المنبر الحر

المنبر الحر | الفرق بين الواقع ومعطيات بنك المغرب (2)

خطاب الأزمة

بقلم: د. رضوان زهرو

    عجز الميزانية في بلادنا عجز هيكلي، بسبب قلة الموارد، خاصة ما يتعلق بالعائدات الجبائية وارتفاع النفقات (كتلة الأجور، نفقات الاستثمار، تكاليف المقاصة) رغم تقليص هذه التكاليف بعد رفع الدعم على بعض المواد الأساسية، ولو أن تراجع هذه التكاليف يصطدم اليوم بحالة التضخم التي تعرفها السوق العالمية للمواد الطاقية بالرغم من الارتفاع الطفيف في عائدات الضرائب بفضل التضخم وبفضل المجهود الذي يقوم به القطاع الوصي في مجال التحصيل، وهنا تطرح الأسئلة: هل الحكومة السابقة تسرعت في اتخاذ قرار تحرير بعض المواد، أم أنها لم تتخذه في الوقت المناسب؟ وبما أن الأسعار هي في ارتفاع منذ اتخاذ ذلك القرار، ألا يعتبر هذا سوء تدبير للمال العام أو على الأقل سوء تقدير؟ وهل أجري أي تقييم للوقوف على حصيلة اعتماد هذا النظام؟ وهل هناك وسائل وآليات أخرى أكثر نجاعة غير التحرير؟

كلها أسئلة للتحليل والدراسة، وأعتقد أننا لم نتجاوز اليوم الفترة العصيبة وسنة 2022 ستكون صعبة جدا، بل ستكون السنة الأصعب على الإطلاق على اعتبار ارتفاع تكاليف المقاصة، وعجز الميزان التجاري، وعجز الحساب الجاري، وخصاص حاد في الاحتياطات الخارجية.

هناك انخفاض في الطلب على القروض، وهو انخفاض يضر بالبنوك كما يضر بالنشاط الاقتصادي، لأن البنوك توزع فوائد دون أن تحصل في المقابل على أخرى، أو توزع القروض بمعدلات فائدة منخفضة، وهنا تكمن الخطورة أو المجازفة، يضاف إلى ذلك ارتفاع معدل القروض المعلقة بسبب الصعوبات التي تعرفها بعض القطاعات، خاصة تلك الموجهة نحو التصدير، وكذا بسبب تعثر بعض العائلات وعجزهم عن التسديد لأسباب كثيرة: تجميد الأجور، ارتفاع الأسعار، إغلاق بعض المقاولات وتسريح العمال.. من يأتي قرار بنك المغرب بالإبقاء على نسبة الاحتياطي الإلزامي في مستواها والاحتفاظ بمعدل الفائدة الرئيسي في 1.5 %، وذلك انسجاما مع هدف استقرار الأسعار على المديين القصير والمتوسط. إذن، الهدف هو توفير السيولة، علما أن المعطيات المتوفرة لدى بنك المغرب تشير إلى إمكانية نمو الائتمان البنكي، وخاصة الموجه لتمويل النشاط الاقتصادي خلال السنة المقبلة، لكن، هذه السيولة يجب ألا تدفع إلى المضاربة المالية والعقارية، وعلى بنك المغرب أن يتتبع الوجهات التي ستأخذها هذه السيولة، التي يجب أن تخصص كذلك لتمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة حسب معايير وشروط شفافة ومحفزة.

ومن جهة أخرى، ماذا عن صندوق الدعم الذي وعد به والي بنك المغرب في لقاءات سابقة؟ وهو صندوق لدعم البنوك وتشجيعها على منح قروض مضمونة وطويلة الأمد من دون القروض الموجهة للإنعاش العقاري وللمهن الحرة، فهذا الصندوق الذي لم ير النور بعد ومن المنتظر أن يمول من طرف كل من الحكومة وبنك المغرب وصندوق ضمان الودائع وبنوك عالمية، وخاصة البنك الدولي.

فمن مسؤولية بنك المغرب السهر على استقرار الأسعار، ومراقبة حالة التضخم (على الأقل التضخم النقدي)، وحين يحتفظ بنك المغرب بنسبة 1.5 % كمعدل فائدة رئيسي، فهو يرى ما لا يراه الجميع، يرى بأن ليس هناك أية ضغوط تضخمية كبيرة، على الأقل ذات الطبيعة النقدية، لأن هناك تضخما آخر ناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج وعن حالة العرض والطلب والسوق العالمية)، وبذلك القرار يضمن استقرار وتيرة نمو الكتلة النقدية ووتيرة نمو القروض، مما ينعكس إيجابا على مستوى التضخم، ولكن ليس دائما على مستوى النمو، لأن التضخم في بعض الأحيان يكون إيجابيا ودافعا للنمو، لأن الارتفاع العام للأسعار قد يؤدي إلى الرفع من الطاقات الإنتاجية، ويخلق فرص الشغل، كما يؤدى إلى إنتاج مداخيل إضافية، والطلب العام يرتفع كذلك، وترتفع معه وتيرة النشاط الاقتصادي ونسبة النمو الاقتصادي.

لكن البنوك تخشى من التضخم، لأن التضخم يعني مما يعنيه نقص في الادخار وفي الطلب على القروض، وفي معدلات الفائدة، ومن هنا يأتي خطر نقص السيولة، وفي المغرب، نسب التضخم لا زالت مقبولة لحد الآن مقارنة مع العديد من الدول، وهذا لا يعني أنه في السنوات القادمة ستبقى الحالة كما هي، فالأمر يتوقف على مستويات الأسعار في السوق العالمية، خاصة أسعار المواد الأولية والطاقية، ويتوقف كذلك على إصلاح صندوق المقاصة وعلاقته بالدعم وباستقرار الأسعار، وهنا ستختار الحكومة التضخم أو العجز في الميزانية، وقد ينخفض التضخم، وسيؤدي ذلك إلى تفاقم العجز، والحكومة إما أن تتحمل الضغط التضخمي أو يتحمله المواطن، وهنا تكمن المفارقة، فالتحكم في التضخم مرتبط كذلك بسعر صرف الدرهم، واستقرار هذا السعر مقابل الأورو والدولار (80 % بالأورو وحوالي 20 % بالدولار).

إن استقرار سعر الدرهم يساهم كذلك في تقليص الضغط التضخمي، وكما يعلم الجميع، ليس هناك في المغرب حرية كاملة في تحديد سعر صرف الدرهم، بل تقنين غير مباشر أو على الأقل هناك تأطير، فالسعر لا يحدد حسب العرض والطلب التلقائي، لكن، هل نحن اليوم مستعدون لتحرير سعر صرف الدرهم تحريرا حقيقيا من دون أن يؤثر ذلك على التوازنات الماكرو-اقتصادية، خاصة التوازن في الميزان التجاري والحساب الجاري؟ سؤال يحتاج إلى جواب من الحكومة، لأن أي ارتفاع في سعر صرف الدرهم يعني انخفاض ثمن الواردات وغلاء الصادرات، مما يضر بالتنافسية الدولية للدولة والمقاولات، ويفاقم العجز التجاري وعجز الميزانية، مما يؤدي إلى الحاجة إلى التمويل، وبالتالي إلى تفاقم المديونية الخارجية، وتبقى الإيجابية الوحيدة لارتفاع سعر الصرف مقابل العملات الدولية، هي انخفاض نسبة التضخم.

يتوقع بنك المغرب أن يستقر الاحتياطي من العملة الصعبة في حوالي 4 أشهر، بمعنى أن الموجودات الخارجية لبنك المغرب تمثل 4 أشهر من الواردات من السلع والخدمات، لكن ما هي الإجراءات التي قامت بها الحكومة لحد الآن لتحسين وضعية هذا الاحتياطي من العملة الصعبة غير الوسيلة التي ترهن القرار السيادي للدولة وترهن كذلك مستقبل الأجيال القادمة، وهي الاقتراض الخارجي (وهي الوسيلة التقليدية والسهلة)، علما أن الدين الخارجي يقارب اليوم في المغرب 70 % من الناتج الداخلي الإجمالي، وهي بالمناسبة أقصى نسبة يمكن الوصول إليها، حتى يبقى المغرب يحظى بالثقة وبالمصداقية ويبقى وفيا لالتزاماته الدولية، وخاصة مع صندوق النقد الدولي؟

صحيح هناك ظرفية اقتصادية ومالية صعبة جدا تمر منها بلادنا: بطالة، ضعف تنافسية المقاولات، أزمة في منظومة العدالة، تراجع في التعليم، وفي قطاع الصحة… بالمقابل، هناك كلام كثير وفعل قليل عن الحكامة في تدبير الأزمة، لذلك، فتشخيص الأوضاع يجب أن تحكمه الموضوعية والعلمية وقول الحقيقة كيفما كانت لما فيه مصلحة البلاد والعباد.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى