المنبر الحر

المنبر الحر | عندما عاد السيف إلى الميدان

بقلم: عثمان محمود

    للأسف البالغ الميدان المشار إليه هنا ليس ميدان الصمود والثبات حيث الدفاع عن الحمى والعرض والشرف وما إلى ذلك، مما يستوجب الوقوف الشجاع الحازم، الذي يستحق صاحبه التنويه والإعجاب، وإنما المقصود به هذا الحضيض الذي تغلغلت في تربته المتعفنة جذور العنف في أعلى مستوياته، فأورقت الاعتداءات الدامية، والسرقات المتنوعة، وأثمرت الجرائم البشعة، وفي ظل تفاصيلها – طالت أم قصرت – يلوح السيف في أخطر صوره المرعبة، ولا تزيده الأيام إلا تواجدا في أيدي من ركبوا موجة ترويع العباد وتخريب ممتلكاتهم وسلب مقتنياتهم، ومع ذلك كله، فلا تحرك يذكر من أجل استئصال كلي لهذا السلاح الفتاك وما ينجم عنه من مهالك.. فبالله عليكم كيف يترك المجال مفتوحا أمام صنعه ولو بطرق بدائية في ورشات صغيرة للحدادة؟ وكيف تفتح أمامه أبواب الاستيراد والتوزيع إذا كان من ذاك النوع المصنع وفق مقاييس مضبوطة؟ وما الغاية المثلى من تصنيعه وتسويقه؟ وأي فائدة ترجى منه عندما يتم عرضه للبيع إلى جانب باقي الأدوات التي تعد من المستلزمات؟ وما هو المبرر المقنع لحضوره في قلب “فيديوهات” يظهر فيها متهورون ينشرون الرعب بعبارات يتطاير منها الهلاك، وحركات تضبطها سيوف في أحجام متباينة؟ وهل من مسوغ لتواجده بين أيدي من يعدون أنفسهم جماهير رياضية تعشق كرة القدم، وتشجع الفرق التي تحظى بإعجابها، حتى إذا أعلن عن انتهاء المباراة عمدت إلى العنف والسطو والتخريب، ولعل ما حدث أخيرا في أكثر من مدينة من مدننا لشاهد على أن السيف بات وسيلة من وسائل البطش لدى هذا الصنف من المراهقين على الخصوص الذين ينتظرون مثل هاتيك الأجواء لنشر الفزع في الشوارع والأزقة والساحات، ولا يسلم من إيذائهم أحد بمن في ذلك رجال الأمن.. أليس هذا هو الوقت المناسب لإعلانها حملة شعواء في وجه من يصنع ويسوق ويمتلك هذه السيوف المقيتة كيفما كان نوعها وحجمها، على اعتبار أنها أسلحة قاتلة شأنها في ذلك شأن الأسلحة النارية المتطورة، فلا فرق هنا بين السلاحين ما دامت هذه أو تلك تخلف الضحايا، وتنشر الخوف في صفوف الآمنين.

أعتقد أنه لا مانع يحول بيننا وبين الوقوف الثابت في وجهها حتى يتأتى لنا القضاء المبرم على هذه الآفة الخطيرة، فالسيوف التي يتسلح بها هؤلاء المنحرفون ليس لديها “لوبي” قوي يحمي مصالح المصنعين والباعة كما هو الحال في بلاد العم سام، حيث الدفاع المستميت عن امتلاك الأفراد للسلاح الناري، بل كل ما نتطلع إليه، هو استصدار قوانين صارمة غايتها زجر كل من سولت له نفسه تمكين هذه الفئة الباغية من تلك السيوف البتارة، وردع كل من امتلكها أو أشهرها، أو عرضها في صور ثابتة أو متحركة، وليكن التنفيذ لهذه القوانين حازما وصارما، فلا رأفة مع من يريق الدماء وينشر الخوف والرعب، وليتم إبعاد كلمة قاصر التي بات يستظل في ظلها المدافعون عمن يحاكمون في قضايا عنف سلاحها الأشهر السيف القاتل، كما أن من واجب المشرفين على ملاعب كرة القدم، الكبرى أو الصغرى، العمل الجاد على منع إدخال كل ما من شأنه أن يتحول إلى أداة ترويع وتخريب، بدء من المفرقعات، مرورا بأشعة الليزر، وانتهاء بالسلاح الأبيض، صغر حجمه أو كبر.

ختاما، السيف سلاح حربي قديم مضى زمانه، فلا يعقل مطلقا أن يعود إلى واقعنا بهذه الكثافة، وهذا التواجد المتساهل الذي يسمح لمراهقين في أوج الاندفاع، أن يمتلكوه بكل يسر للفتك والسطو ونشر الهلع في صفوف المواطنين والمواطنات. فهل من مستمع؟ وهل من مستجيب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى