المنبر الحر

المنبر الحر | صراع بكين وواشنطن وانعكاسه على شرق المتوسط 

بقلم: نزار القريشي 

    إن كشف تقارير استخبارية عن رغبة مجتمع الاستخبارات الأنجلوسكسوني والفرنسيين في إبعاد بوتين وأردوغان وعبد الفتاح السيسي في مدى أقصاه السنة المقبلة، سيدخل منطقة شرق المتوسط وشرق آسيا في ترتيبات جديدة تتوخى من خلالها واشنطن خدمة الاستراتيجيات المتعلقة بمستقبل الكيان الصهيوني على المدى المتوسط والبعيد، فرغبة مجتمع الاستخبارات الغربي في إبعاد الرؤساء الثلاثة، ينطوي على مبررات خاصة وسرية.

إلى ذلك، فإن زيارة جو بايدن المرتقبة إلى الرياض، وقد سبقتها زيارة منسق شؤون الشرق الأوسط للبيت الأبيض، تستهدف تمرير صفقات تسليح للسعودية لتسهيل رضوخها والانخراط في “اتفاق أبراهام”، مع الحديث عن مناقشة ترسيم الحدود بين السعودية ومصر، نظرا للأهمية الاستراتيجية لمضيق تيران وصنافر بالنسبة للكيان الصهيوني، والذي يصر على تواجد قوات دولية في الجزيرتين، لكونهما مدخلا لخليج العقبة الذي يؤدي إلى إسرائيل، إزاء أي حرب محتملة مع بعض دول الطوق، كما يستهدف من ترسيم الحدود هذا، فتح المجال الآمن للتنقيب عن الغاز والبترول، غير أن الرياض تصر على تواجد الجيش المصري في الجزيرتين رغم تنازل مصر عن السيادة عليهما لصالح المملكة العربية السعودية.

وفي السياق ذاته، فإن رغبة تل أبيب في توقيع الرياض على “اتفاقية أبراهام”، تهدف إلى استغلال المجال الجوي للسعودية وضمه إلى إسرائيل، وارتباطا بما يجري على الصعيد العالمي، فإن الوضع الراهن سيدخل شرق المتوسط ومنطقة شرق آسيا في تطورات ستفرض على لاعبيه الدوليين الدخول في ترتيبات جديدة لها علاقة وطيدة باستراتيجيات هذه المرحلة ووقائعها، فالتفكير الاستراتيجي الذي تنطوي عليه مرحلة العشرينات، سيؤثر لا محالة في مرحلة الأربعينات من هذا القرن، مما يشير إلى كتلة الأحداث التي انطوت عليها حرب العراق، وحرب أوكرانيا، وقبلهما الثورات العربية، مرورا بـ”اتفاقيات أبراهام”، والجمود الحاصل في القضية الفلسطينية، واعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل، والتضييق على المبادرات العربية، والصراع الأمريكي-الصيني، والأمريكي-الروسي، والصراع الإسرائيلي-الإيراني.

وفي نفس السياق، يرى خبراء دوليون، أن العقد القادم سيشهد إعادة للنظر في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تم توقيعها عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، الشيء الذي سيترتب عنه ترسيم خرائط جديدة ونظام عالمي جديد.

وفي سياق آخر غير ذي صلة، فإن حدث مواجهة الغواصة التركية “18 مارت” لحاملة الطائرات “ترومان”، والتطورات المرتقبة في البحر الأسود وبحر البلطيق، وبحر الصين الجنوبي، واتهام “الناتو” لتركيا بإسقاط طائرتي “رافال” فرنسيتين، والعملية الخاصة التي قامت بها روسيا ضد السفارة الفرنسية في موسكو، وكذا الأزمة المحتملة بجزيرة تايوان، والتي سبقها الكشف عن مشاركة الصين بشكل مباشر في الحرب الأوكرانية عبر القطع الموجهة لبحر قزوين، وإطلاق الصينيين لصاروخ “كاليبر” ما فوق صوتي، الذي أثبت خطئا في التقرير الذي جاء تحت الرقم 1131، والذي رفع إلى الرئيس الأمريكي، حيث أكدت مصادر بحثية في الموضوع من خارج الولايات المتحدة، أن صاروخ “كاليبر” هو تقنية صينية وليست روسية بالأساس، وهو ما أكد جليا نقل الصينيين التقنية ما فوق صوتية للروس.

ومن جهة أخرى، فإن تطورات الحرب في أوكرانيا ستؤكد في الأشهر القادمة، أن الجيش الروسي لن يواصل الحرب، وسيكتفي بما حققه بعد تثبيت سيطرته على إقليم دونباس ودونيتسك وميناء أدوسا، وربطه بالأراضي التي سيطر عليها بشرق أوكرانيا وجنوبها، وقد كان هذا هو الهدف الرئيسي من شن هذه العملية العسكرية، وهو ما أرادت روما عرقلته من خلال دعوة موسكو إلى فتح حوار مع كييف في الوقت الراهن.

وفي خضم الأحداث الجارية، يظل الترقب الأبرز هو التطور المحتمل في جزيرة تايوان، وآفاق حسم صراع الإرادات بين الصين وأمريكا، والذي سيؤسس لبقاء النظام العالمي الحالي أو إنهائه، وبداية نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب قد تقوده بكين بدعم من حلفائها وعلى رأسهم روسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى