تحليلات أسبوعية

بين السطور | “الموت بالفرحة”

بقلم: الطيب العلوي

    لا شك أن عددا منكم وقع بصره أو تناهت إلى مسامعه هذا الأسبوع، أنباء عن استطلاع رأي أعدته وكالة “سونيرجيا” بشراكة مع “ليكونوميست”، يفيدنا(…) بأن 86%؜ من المغاربة سعداء.. ولن أطيل عليكم بتفاصيل ومعطيات هذا التقرير، والتي تجعلنا نتساءل عمن له الجرأة لنشره(…) في ظل الظروف العصيبة التي يعيشها المغاربة هذه الأيام.

تفاصيل مؤكدة أن 69؜% من المغاربة يشعرون بالأمان في الأماكن العامة، وأن 9% فقط منهم من يشعر بالتعاسة، لا يمكن إخفاءها عليكم، ولا محل للنكتة أو المزاح في هذا المقال أمام أمور كهاته، أرقام ومعطيات إن لم تكن تشير إلى الاستهزاء، فإنها تدعو على الأقل إلى التعجب(…)، مُبررة نفسها بنفسها، بإحاطة المطلعين عليها عِلْما بأن إحصائياتها اعتمدت على عينة من الأشخاص بناء على معطيات البنية الديموغرافية للإحصاء العام الأخير للسكان والسكنى، ما يعطيها طابع الرسمية نوعا ما.. إذا كنّا بالفعل سعداء إلى هذا الحد، ونسبة سعادتنا تفوق الدول الاسكندنافية، وكنت أنا المخطئ في القراءة والتحليل، فـ”اللهم بارك” وهنيئا لنا بهذا.

إلا أن ما يزيد من حدّة التعجب والاستفهام، هو صدور هذا التقرير على بعد ساعات فقط من تقرير آخر أعدته جمعية “شباب ضد الانتحار”، تدق فيه ناقوس الخطر حول معدلات الانتحار في هذا البلد “السعيد”، والتي تشهد ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، إذ قُدرت مثلا حالات الانتحار في إقليم شفشاون وحده، بأكثر من حالة كل أسبوع.. أرقام وإحصائيات تبقى يتيمة في ظل غياب تام لأي إحصائيات رسمية هذه المرّة، لا بهدف النفي، ولا بهدف التأكيد.

وإذا عدنا للفرحة والسعادة، فربما تلك التي تم التعبير عنها في التقرير المذكور، هي نفس الفرحة التي بدت على مُحيّا سعيد شنقريحة، قائد أركان الجيش الجزائري، هذا الأسبوع، أمام عدسات كاميرات الجميع قبيل تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة مع إسبانيا(…)، وهو يبتسم ويصفق لمناورات عسكرية يعتبرها الأضخم(…) منذ استقلال بلاده، رغم أن توقيتها الليلي وتموقعها الجغرافي لا يشير لشيء آخر غير الرغبة في تبليغ رسالة معينة لمن يهمه الأمر(…).

لذلك، فالفرحة والسعادة المعبر عنها، ليست بالسعادة المبتغاة(…) التي يتحدث عنها تقرير “سونيريجيا”، والتي هي إذن، ليست نوعا من السعادة التي نبحث عنها، وربما الحال كذلك ما دام “تقرير السعادة” الصادر، كان له ما يكفي من العناصر لسرد الأسباب التي تقف وراء الأقلية التي تعاني من التعاسة، بين الحياة الشخصية الغير مرضية وظروف العمل والبطالة والأزمة المالية والفقر والتهميش وضعف التغطية الاجتماعية… إلخ، ولا شيء جدي يُذكر فيما يخص الأسباب التي تقف وراء “الأغلبية” السعيدة.. ما عدا إن كان الانتحار الذي تحدثت عنه الجمعيات هو نوع الانتحار الذي مات به الأمريكي رونالد أوبوس عام 1994، بعد أن ألقى بنفسه من فوق العمارة التي يسكن بها، وبعد تشريح جثته، تبين أن سبب الوفاة كان عن طريق طلق ناري في الرأس(…)، ما جعل طريقة انتحاره من بين أغرب قصص الانتحار في التاريخ، فاستنتاج منطقي واحد قد يبدو غير معقول في نفس الوقت، بعد المواجهة التي قد تقام أمام التقريرين المتناقضين في المحتوى، القريبين في الزمن، ألا وهو: هل موت من ينتحر ببلدنا هو ما يسميه المغاربة “الموت بالفرحة” ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى