المنبر الحر

المنبر الحر | المسكوت عنه في تكلفة تعيين وزير في الحكومة

بقلم: بوشعيب حمراوي

    لن نبحث في الطرق والوسائل التي يعتمدها بعض الراغبين في الاستوزار داخل بلداننا العربية، باستعمال سلالم الأحزاب السياسية(..)، أو أدراج التكنوقراط، ولن نخوض في الحديث عن راتب الوزير، ولا في التعويضات الممنوحة له بسخاء عن السكن والتنقل والمهام التي سال مداد كثير بشأنها.. ولا عن تقاعده المريح وشارة الوزير التي يرفض التخلص منها بعد إعفائه من مهمته، بل سنكتفي بالغوص في أعماق وبواطن ما يكلفه سعادة الوزير من أموال وأعباء ثقيلة وهدر للزمن والطاقات البشرية والمادية على الدولة، مباشرة بعد تعيينه رسميا، واستلامه المسؤولية الوزارية، علما أن معظم من يلبسون جلباب الوزير وهو منصب سياسي ليس إلا، يخيل لهم أنهم يديرون ضيعات، وأن عليهم التدخل في كل صغيرة وكبيرة، واتخاذ قرارات بعيدة عن الأطر والكوادر التي تزخر بها وزاراتهم، والنتيجة: مشاريع ومخططات فاشلة لبعضهم، وتبذير للأموال وهدر للوقت والطاقات البشرية، وبالتالي، تعليق وتعطيل الانتقال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديمقراطي..

إن أبرز ما يشغل بال بعض الوزراء الجدد، الوفاء بالوعود، ليس للشعب، ولكن لذوي القربى والمناضلين منهم داخل أحزابهم، حيث تتم التضحية ببعض الموظفين والأعوان والحراس والسائقين القدامى، داخل الوزارة ودواوينها والمرافق التابعة لها بالمدن والقرى، وتعويضهم بآخرين موالين لهم، كما يعمدون إلى تغيير عتاد وتجهيزات بعض المكاتب، ضمنها مكتبهم الرئيسي، ولم لا حتى سيارات الخدمة، التي لا يكتفون بتسخيرها لشخصهم وأسرتهم، بل حتى لبعض من أدمجوهم في قطاعهم، وكذا إضافة مكاتب أخرى، وإنجاز طوابع وأختام خاصة بهم، وتغيير تلك الخاصة بالمسؤولين التابعين لهم، وربما تغيير أسماء الوزارة أو بعض المصالح والأقسام، أو حتى حذفها أو إحداثها مع كل تشكيل حكومي جديد، وتتطلب بناء مقرات وتجهيزها، وتوفير الموارد البشرية، وإحداث أو إعادة  تهيئة أو تعديل المرافق المحلية والإقليمية والجهوية والمركزية التابعة لها، وتمكينها من كل التجهيزات المكتبية والأثاث والأختام وأشياء أخرى تختلف باختلاف أخلاق وسلوكيات كل وزير.. هذا دون الحديث عما قد ينتاب بعض هؤلاء الوزارء من حب العظمة، ورغبة في التخلص من كل أثر أو بصمة للوزير السابق، حيث يتم تعليق مشاريع الوزارة أو تحويل أموالها إلى مشاريع أخرى، وعدم مواصلة العمل بدراسات ومخططات وبرامج الوزير السابق التي صرفت من أجلها أموال باهظة، ويبادرون إلى صرف أموال أخرى من أجل فرض بديل لها، وعدم الاهتمام بشراكات الوزارة واتفاقياتها الوطنية والدولية.

فكلمة “وزير” لا تفرض التنافس والتباري العادل من أجل الحصول عليها، وتكتفي بتوفر الراغب في حملها على درجات عالية من الولاءات الحزبية أو المخزنية، كلمة يقرأها العارفون برموز التواصل السرية، من اليسار، ليحصلوا على كلمة “ريزو” الفرنسية وتعني بالعربية “شبكة”، ويدركون أن الفوز بها يقتضي الحصول على “ريزو قوي”، أي شبكة معارف تمكنهم من تغطية واسعة للداعمين لهم وانتزاع كل ما يطمحون إليه.

وزراء يدخلون وزاراتهم بعشرات المكاتب والأقسام والمصالح والمديريات ولسان حالهن يردد “أين القط لأقتله” عملا بمقولة “النهار الأول يموت المش”، يظهرون بمظهر القائد المخيف والمرعب عوض الظهور بمظهر البديل الجاد والمسؤول، وعوض أن يؤمنوا بـ”حسن النية” في الموظف والحارس والعون، وأن يعطوا لأنفسهم فرص التعرف على تصميم وزاراتهم.. تلك المتاهة التي تعج بالرفوف والمكاتب والمستودعات والمخازن وغيرها، واستيعاب طبيعة عملها، وربما يدركون أن تلك الوزارة ليس بها قطط، بل أسد ولبؤات وأشبال، يدركون قيمة العرين الذي يحضنهم أكثر منه، لكن سعادة الوزراء لا يدركون الأمر إلا بعد مرور عدة أشهر.. يكونوا قد تعرفوا فيها على حقائق الأمور، بما فيها أخطاءهم وتجاوزاتهم التي إما تمت عن سبق إصرار وترصد، أو عن طريق الخطأ أو الجهل ببعض الأمور، أو بضغط من تلك القوى التي دفعت بهم إلى كرسي الزعامة، لتستغل منصبهم ومرافقهم في قضاء مصالحهم الشخصية. ويكون بعض هؤلاء إذن، قد بذروا أموالا، وأهدروا وقتا طويلا، وأحبطوا موظفين، وعطلوا طاقات وكفاءات وبرامج ومشاريع، ويكونوا قد رسخوا للفشل الحكومي الذي أصبح مرضا وراثيا يصعب التخلص منه.

إنها كلفة تعيين وزير جديد داخل الحكومة، بعد أقل من شهر على تقلده مهام الوزارة، والتي لا أحد يتحدث عنها.. خسائر مادية وبشرية، وتعثر منذ البداية، يجعل كل من يقف عليها يجزم بأنه لا خير يرجى ممن تسبب فيها، وأن مشوار الألف ميل الخاص بسعادة الوزير قد رسمته خطواته المتسرعة في أقل من شهر، والتي قد تؤدي به إلى تعطيل قطار الوزارة، وترغمه على استعمال وسائل نقل تقليدية، والتوقيع على وثائق وملفات تشوبها الشوائب والنواقص.. ليعرج بالوزارة ومهامها إلى المجهول، ويطبق عليه المثل المغربي العامي: “من الخيمة خرج مايل”.. ولو أننا لم نر يوما وزيرا سقط، بل رأينا بالمقابل وإلى درجة الملل والكآبة، أجيالا سقطت في وحل البرامج والمشاريع الفاشلة، والوعود الكاذبة.

إذن، هي كلفة جد مرتفعة، يؤديها الشعب المغربي من ماله وطاقاته وصبره ورجائه.. لم نسمع عنها في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والمنظمات الحقوقية، والمحاربين لناهبي المال، ولا داخل مفتشيات الوزارات، ولم نسمع عن وزير خجل من نفسه واعترف بها، وعمد إلى تصحيح ما يمكن تصحيحه، وخصوصا تلك الأطر والكوادر العربية التي كتب عليها أن تعمل تحت إمرته، والتي يعبث بمهامها وشخصياتها سياسيا بعيدا عن مصالح البلاد والعباد.. هذه هي تكلفة تعيين وزير وكل تشابه مع وزير من وزرائنا السابقين أو اللاحقين، فهو مجرد حقيقة وجب الكشف عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى