المنبر الحر

المنبر الحر | سياسة التخدير والتفاهة.. إلى أين ؟

بقلم: محسن الأكرمين

 

    لا يمكن أن نجادل من قال أن “سياسة التفاهة أفيون الشعوب”، ولا يمكن أن ننكر أن التخدير السياسي يأتي في أعلى المراتب، ويفوق علوا تخدير العشبة الخضراء (الكيف)، كما لا يمكن أن نقول بأن آلة “السبسي” من صنع المعارضة المناوئة، بل نقول بأنها ماركة مسجلة “صنع بالمغرب”.

خرجت الدولة من نفق زراعة “الكيف” التهريبي إلى متسع التقنين والتسويق الطبي، لكن يبقى “الكيف” من مستملحات الاستهلاك اليومي لبعض المغاربة، وبنشوة متزايدة الطلب، ويكثر تناوله في مناطق معلومة بالإنتاج والزراعة، اليوم لن نتحدث عن أضرار “الكيف” الجسدية، ولا عن مخلفاته الاجتماعية والنفسية، بل سنتحدث عن “الكيف والسبسي” في ملعب سياسة التنويم، والتي تزيد المشهد السياسي سوءً.

فـ”آلة السبسي” أنواع ومقاييس متعددة، وما بعد انتخابات شعارات التغيير، نستهلك نكهة سياسة من “كيف السبسي” الأكثر قصرا في تاريخ المغرب، نعيش دخان سفسطة الشعبوية التي نالت من المغاربة حد الإنهاك النفسي، ونستهلك نوعية من سياسة “الكيف المسوس غير المدرح بطابا”، ونرتشف آخر “تلصيقة” سياسية تعادل الإصلاح والثقة.

بين تدخين “الكيف” (الغليون)، ورياضة “الغولف” البورجوازية تقارب حين يُلْقي المدخن من “الشقف” ما حرق به من “الكيف” بطريقة النفخ، وحركة اليد الحرفية، يلعب الأول في العشب الطبيعي المنعش للرؤية، والثاني مع العشبة “اليابسة” المنتشية بذاكرة الانسحاب الاجتماعي. لكن الفرق الكبير، أن “مول السبسي” يجلس في زاوية منغلقة يتأمل الوضعيات المجحفة، والكرامة المتدنية، بينما الثاني سياسي الإلهاء والغولف، فهو يلعب في مساحة “مغرب أجمل البلدان”، ويخطط للهوامش المقصية كَيْفَ يَزْرَعُ فيهم أمل حلم التنويم، المرفق بدخان “سبسي” السياسة التمويهية.

الآن، يبدو أن العشبة الخضراء قد باتت قانونية في الزراعة المحدودة، وفي التوظيف الطبي، تماما كما يبدو أن التسويف السياسي و”التحنقيز” والتراشق بالمصطلحات ذات الدلالة الرديئة، قد أفسد سماع المغاربة بالتلوث، وباتت التفاهة تُغذي الرصيد السياسي الوطني المتهالك بالزيادة.. هو إذن مغرب الكفاءات، الذي يسوق أن سياسة “التصنطيح” لن تفارق موضعها “التالف”، مغرب “الرفاه للجميع” في أقساط تلك الزيادات غير المنتهية، وترك المواطن البسيط يعاني قسوة العيش، ويستهلك مكيفات “سبسي” الفقر الاقتصادي، والعجز الاجتماعي. غدا، مغرب تحريك الطاقات واستعادة الثقة في الدولة “شي عايش وشي مشعبط في كار التنمية”، مغرب وتيرة التقدم، الحلم الذي لم ينفك في ظل الأزمة العالمية من تكريس الفوارق الاجتماعية وتوفير رصيد بشري أكثر من الهشاشة النووية.

بين أوراق السياسي في التخطيط، وبرامج التنمية المندمجة، تبقى المعادلة غير منصفة، في حين يعيش “السباسية” مع ورقة “عشبة الكيف” بطريقة “التقصيص” و”التدريحة بطابا” الحارة، وبين تموجات دخان “كيف السبسي” يتم العمل على تقوية الفقر والإقصاء، بين أوراق السياسي في الهندسة الاجتماعية وتفعيل الاستراتيجيات الوطنية الكبرى، يبقى التشخيص الاجتماعي الترابي يرتهن ضمن أزمة المؤشرات المرصدية الأكثر دلالة  في تأخر المغرب من حيث التنمية البشرية، وتوسع مسطح الفوارق الاجتماعية.

يكفي الوطن من معامل أدخنة “السباسية” الأشداء في السياسة، يكفي الجميع من ذاك البوليميك السياسي الرديء الذي يساهم في زيادة زخم فقدان الثقة في السياسة والبرامج التنموية الكلية. اليوم، لا بد من حكامة غير متمركزة بفلسفة تخليق الحياة، حكامة مرنة تطيح برؤوس الفساد الأشداء على الوطن، وصناع صيغة “الريع حلال”، حكامة فعالة تهندس لمبادرات طموحة، تتحدد في إيجاد حلول واقعية ونفعية، وتقرير برامج التنمية التفاعلية لتقوية الرأسمال البشري، ومحاربة الإقصاء الاجتماعي، برامج مراقبة بالعلوية، ودينامية تنموية عمومية أكثر دقة وفاعلية.

فطقوس سياسة الثقة، لا بد أن تعزز برؤية “اللي فرط يكرط”، فهي “مسوسة” مثل “شقف الكيف بلا تدريحة حارة من طابا”.. وهذا وذاك، لا بد من القطع مع كل الممارسات غير المجدية، ولا بد من القطع مع سياسة التفاهة والتدويخ، سواء بـ”السبسي” أو بسياسة التسويف، فنحن الوطن بمدينته وهوامشه والذي بات فيه الجميع يطالب بقطرات من التنمية العادلة، لا رشفة من نهاية “تلصيقة” متحجرة لتعديل مذاق “كيف” السياسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى