المنبر الحر

المنبر الحر | منتخبون.. تطوعوا لخدمة الشعب أم لنهبه ؟

بقلم: بوشعيب حمراوي

    لا بد من الغوص في عمق مسار مناصب بعض الوزراء والنواب والمستشارين البرلمانيين، ومعهم باقي المنتخبين، ولا بد من التدقيق في كيفية تعيينهم أو القبول بفرضية انتخاب بعضهم بطرق قانونية، وذلك من أجل إيجاد التحليل المنطقي لكيفية حصولهم على تلك المناصب، التي يفترض أنها تأتي عن طريق التطوع والترشح في الانتخابات الجماعية والتشريعية، أو عن طريق اقتراحات الأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية، وطبعا لا بد من تصنيف تلك المناصب وتحديد طبيعتها وطابعها، ليبقى السؤال الأهم: هل تدخل مناصب هؤلاء في إطار الوظائف العمومية التي لها مساطر واضحة للولوج والعمل والترقي والتدرج والتقاعد، أم أنها تعيينات ظرفية أو مهام تمثيلية تدخل في خانة العمل التطوعي خدمة للشأن العام؟

لتكن البداية بالنواب والمستشارين البرلمانيين.. هذه الفئة المشكلة من أناس تطوعوا للعمل السياسي بانخراطهم في الأحزاب، وتطوعوا لخدمة المواطنين بتقديم ترشيحاتهم في الانتخابات، وهم من طرقوا أبواب منازل الناخبين، واستعملوا كل الأساليب من أجل استمالة أصواتهم، ونظموا المهرجانات الخطابية ووعدوا بخدمة مصالح المواطنين وتدبير شؤونهم، ووزعوا المنشورات التي حرروا بها برامجهم التي تحمل شعار “كوبي كولي”.

كل هذا المسار يؤكد أنهم تطوعوا من أجل خدمة المغاربة في التشريع ومراقبة أعمال الحكومة.. فهل يحق للمتطوع أن يعامل مثل باقي أطر الوظيفة العمومية أو وفق مدونة الشغل؟ وهل يحق له أن يتلقى مقابلا ماديا شأنه شأن الموظفين الذين ولجوا الوظيفة العمومية بعد تجاوزهم بنجاح لاختبارات كتابية وشفوية؟

فهؤلاء تطوعوا لخدمة الشعب لمدة معينة، والشعب وثق فيهم وأعطاهم فرصة تمثيله خلال تلك المدة، وليس لهم أي مسلك قانوني للتعامل معهم كموظفين أو شغيلة، ولكن لنكن منصفين في حق الذين تطوعوا لخدمتنا، ونقبل بأن نحدد لهم تعويضا شهريا عن التنقل والعمل، وليس أجرا شهريا، لا أن نجاري هؤلاء الذين يصرفون أجورهم على سماسرة الانتخابات، وفي تنظيم الولائم واستمالة بعض سكان دوائرهم الانتخابية، ونمنحهم بسخاء أجورا سمينة وتقاعد نهاية خدمة تطوعية.

على الحكومة إذن، أن تتعاقد مع شركات لتصنيع سيارات خدمة بأثمنة رمزية توضع رهن إشارة كل المنتخبين المسؤولين، وتخصيص ألوان مختلفة لكل فئة من المنتخبين، كما نبقي للموظفين المنتخبين على رواتبهم الشهرية ومنحهم حق التفرغ للعمل التطوعي، الذي يستفيد منه في بلدنا أناس لا علاقة لهم بأي عمل تطوعي أو مصلحة عامة.

أما بخصوص الوزراء، فطبعا الكل على إدراك تام بدستور البلاد وقوانينه الإجرائية، فلا يمكن الحصول على وظيفة وزير بإجراء مباراة ما، لأن كل من يود الحصول على ذلك المنصب يتطلب منه المرور عبر خمسة جسور سياسية: أولها التطوع والانخراط في العمل السياسي والحزبي، وثانيها المرور عبر جسر الأحزاب الفائزة بأغلبية الأصوات، والتي تمكنت من تشكيل الأغلبية الحكومية، وثالثها اقتراحه من طرف الحزب المشارك في الحكومة، ورابعها اقتراحه من طرف رئيس الحكومة، وخامسها تزكيته من طرف رئيس الدولة، وقد نجد وزراء تكنوقراط، وطبعا هذه الفئة، وإن كانت غير منتمية لأي حزب، فإنها اقترحت بالنظر إلى عملها التطوعي وليس بالنسبة إلى وظيفتها السابقة، وهي فئة تتحمل أغلبية الأحزاب وجودها داخل الحكومة، بالإضافة إلى أن منصب الوزير ظرفي، وبالتالي، يبدأ بالتطوع، وعليه، فالوزير المتطوع لا يمكن أن يصنف كالموظف أو العامل، ولا يحق له أن يتلقى راتبا شهريا سمينا، بل يمكن منحه تعويضا شهريا متواضعا، كما يمكن أن يستفيد من التفرغ مع المحافظة على راتبه الشهري إن كان موظفا عموميا.

خلاصة ما سبق، فإن عمل الوزراء والبرلمانيين وباقي المنتخبين هو عمل تطوعي لا يجب استخلاص أجور مقابله، ومن تم، فلا يجب أن تكون هناك معاشات أصلا للفئتين علما أن بين هؤلاء البرلمانيين أو الوزراء، شباب وشابات في مقتبل أعمارهم، فكيف يعقل أن تصبح لهم معاشات وأعمارهم لا تتجاوز الثلاثين سنة مثلا؟ كما أن هناك نساء ورجالا وشيوخا يستفيدون من التقاعد أو التقاعد النسبي الخاص بوظائف ومهن سبق وقاموا بها.. فلا يعقل أن يتلقوا معاشين؟ وهناك من الوزراء والبرلمانيين من سيلتحقون بوظائفهم ومهنهم بعد نهاية استوزارهم وولاياتهم النيابية.

بعد كل هذا، أظن أنه حان الوقت لوقف الجدل والاتسام بالجرأة اللازمة، لإلغاء الأجور الشهرية والمعاشات وتقنين التعويضات لكي نجسد المفهوم الحقيقي للعمل التطوعي.

فقد كنا، ولا زلنا، نندد بقصور أداء الكراسي والمناصب المأهولة بأشخاص لا يستحقونها، يوظفونها فقط لقضاء مصالحهم الشخصية ويعيثون فسادا في مرافقها، ونؤكد أن شغور تلك المناصب أو حتى حذفها يكون أقل ضررا من استمرار العبث بعتادها وسلطاتها، لكننا لم ننتبه إلى البلاء الجديد الذي أفرزته العوالم الرقمية، والذي تفشى في البلاد العربية، وأصبح بإمكان كل واحد منا اعتلاء منصة رقمية ومخاطبة الناس ولو من فوق سرير نومه.. بلاء انتحال صفة “الخطيب” و”الصحفي” وارتداء جلباب “الفقيه” و”الداعية” وارتداء وزرة “الطبيب” و”العالم والباحث”… كائنات بشرية جديدة أحدثت طرقا دخيلة في التحرير والكتابة بلغات مختلطة، وقد تكتب التعابير الفرنسية بالعربية أو العكس، أشخاص أدمنوا الظهور والتموقع والتدخل في كل كبيرة وصغيرة، تراهم يؤكدون ويقررون ويعلنون ويفتون في أمور دينية ودنيوية تجعل ذوي الاختصاص والكفاءة في حالات ذهول مصدومين ومندهشين من صلابة جبين ذلك الخطيب أو المحرر، الذي يخوض فيما لا يعلم، ويتجرأ على التلفظ بالخزعبلات والتأكيد على صحتها مبرزا ما ننعته نحن المغاربة بـ”الصنطيحة”.. ليتضح أن أصل الفساد الحقيقي ومنبعه يكمن في غياب آليات التنقية والتطهير والتي تعتمد أساسا على مبدأ “وضع الشخص المناسب في المكان المناسب”.. تلك الفوضى التي جعلت كراسي ومناصب ومنصات رقمية في المزاد العلني، يستغلها الصالح والطالح.

للأسف، فتحت مواقع التواصل الاجتماعي أبوابها ونوافذها في وجه كل من هب ودب، وأصبح بإمكان أي كان أن يمتلك صفحة أو قناة، وأن ينتحل صفة صحفي أو فقيه أو شيخ أو أستاذ أو باحث.. ويطلق العنان لقلمه أو لسانه لمناقشة مواضيع وقضايا تتطلب الإلمام والكفاءة والمهنية في التسويق والطرح وأخلاقيات التواصل، مدونون ومغردون ومؤثرون.. منحوا لأنفسهم رخص الترافع والتحليل وإصدار الفتاوي بدون حسيب ولا رقيب، وأصبح لهم مئات الآلاف من المتتبعين والمشاهدين، وتحولوا إلى قوات ضاغطة ومؤثرة في التدبير اليومي لعدة مرافق، لهم تأثيرات قوية على الرأي العام الوطني رغم أنهم ينتحلون صفات مختلفة معظمهم بلا مستويات تعليمية ولا ثقافية، يسوقون للتفاهات ويغالطون الناس بأفكار ومعطيات غير صحيحة، وتقارير من نسج خيالاتهم، لهم أهداف مالية صرفة، يستخلصون المال من مواقع التواصل الرقمية مقابل عدد المتتبعين لصفحاتهم وقنواتهم، كما يتدبر البعض الآخر المال بالعملة الصعبة من خصوم وأعداء الوطن، والذين همهم الوحيد تسفيه الحياة بالمغرب وزعزعة أمن واستقرار البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى