المنبر الحر

المنبر الحر | التلميذ.. مواطن جنيني يُقتل

بقلم: أشرف بولمقوس

    تعتبر مادة الاجتماعيات بالتعليم الثانوي الإعدادي أو التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي، مادة أساسية وذات أهمية بالغة في تكوين الإنسان، وصناعة مواطن المستقبل، بحيث يقع على عاتق المادة تحويل التلميذ إلى مشروع مواطن كامل المواطنة في المستقبل، وبالتالي مشروع ناخب ومنتخب فاعل ونزيه في مجتمعه، وكذلك تأهيله للإلمام بتاريخه ومحيطه، وتحصينه فكريا من كل الانحرافات التاريخية دون السطو على عقله النقدي تجاه هذا التاريخ ومحيطه، ومما يندرج أيضا ضمن أهداف هذه المادة، وهو المدون في كل كتبها المدرسية، ترسيخ القيم الإنسانية الكبرى، كالتسامح والتضامن والتعاون.. أهداف تنص عليها كل الوثائق التي تنظم برامج المادة وسير تدريسها.

إن ما نعيشه اليوم من انهيار لمنظومة القيم، وانتشار مظاهر التخلف، وعدد من الظواهر الاجتماعية المنحطة، وكذلك ما نعيشه من تيه هوياتي، وما نغرق فيه من فساد إبان الانتخابات، وما نشتكي منه كل يوم على الطرقات، وأمام الإدارات العمومية، جزء منه نتاج انحراف مادة الاجتماعيات أو التاريخ والجغرافيا عن القيام بدورها، والأسباب سنأتي على بعضها في مقدمتها جمود مقررات هذه المادة.

المتغيرات الدولية والإقليمية التي نعيشها، لا يمكن أن يكون أبناءنا خارج سياقها تماما، فتلميذ اليوم هو مواطن الغد الكوني، مما يلزم هذه المادة بالقيام بهذا الدور، على الأقل بالتجديد المتواصل لمحاورها، وبالدعامات المناسبة للجيل الجديد، لأنه لا يستقيم أن تتغير سياسات الدولة، وتتغير طبيعة المواطنين، ويتغير المناخ والمناخ الاقتصادي، ويبقى الفاعل المحوري والأساسي (الإنسان) خارج هذه المتغيرات وألا نعده لها.

لن أغوص كثيرا في التفاصيل وفي ما تعانيه المادة من تهميش ”سياسي” و”تربوي” و”تجاري” متعمد، لكن يكفي أن نطرح أسئلة المتصفح العادي لبرامج المادة، سواء مقررات الاجتماعيات بالإعدادي أو مقررات التاريخ والجغرافيا بالثانوي التأهيلي، ولنسر سير ضعفائنا كما يقال.

هل مصر نموذج تنموي كما هو مدرج في درس للمادة؟ هل نيجيريا أفضل نموذج يدرس لإبراز التناقض في العالم النامي بخصوص إشكاليات التنمية؟ هل روسيا ورهانات التحول يستحق أن يدرج ضمن مكون الجغرافيا؟ في ظل امتلاك عدد من التلاميذ لآخر التكنولوجيات من هواتف وحواسيب، وإن لم يمتلكها فهو يتابعها يوميا عبر الإشهارات وغيرها، هل يستقيم أن ندرج صورة حاسوب ضخم قديم كصورة في درس اليابان كقوة تكنولوجية؟ ألا تستحق نماذج رواندا وجنوب شرق آسيا أن تدرس كنماذج للتنمية وقوى صاعدة؟ هل درس البرلمان يناسب القدرات العقلية ويستقيم بيداغوجيا تدريسه لتلاميذ لا تتجاوز أعمارهم 13 سنة؟ كيف نطلب من طفل التمييز بين مشروع قانون ومقترح قانون وهو ما لا تميز بينه حتى نخبنا السياسية أحيانا؟ ألا يجدر بنا إدراج درس بعنوان حرية المعتقد عوض حوار الأديان، هذا الدرس الذي يجعل الديانات السماوية فقط هي المعنية بالحوار دون غيرها؟ أليس هذا هو تجفيف منابع الإرهاب إن كانت فعلا نية حسنة في ذلك؟ هل الصين قوة صاعدة كما هو مبرمج في مقرر للمادة؟ الأسئلة الصغيرة كثيرة وسترهقنا، لنكن عمليين وأكثر عمقا ونضمنها في سؤال إشكالي، أي نوع من المواطن تريد الدولة صناعته بمقرراتها؟

إن افترضنا حسن نية من وراء هذه المادة ومقرراتها، فعليه أولا أن يعيد صياغة مقدمة البرنامج، ورسالته للتلميذ والتلميذة في بداية الكتاب المدرسي، وقبل ذلك، أن تتم الإجابة عن سؤال ”أي مواطن نريد؟” و”أي مغربي نطمح له غدا؟”، وبناء عليه، سيتمكن من وضع ما يناسب في المقرر لتحقيق هذا الهدف، لأن المادة تحتاج مقررا جديدا لا طبعات منقحة بشكل ”ترقيعي” وغير متجانس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى