المنبر الحر

المنبر الحر | في الحاجة إلى تلقيح الروح

بقلم: ذ. الحسن العبد

    قال عز من قائل: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)) (سورة ص الآية: 29).

من أعظم ما يتقرب به العبد المسلم إلى ربه تعالى، تلاوة كتابه وحفظه وتدبره، وبالأخص تربية الأطفال منذ نعومة الأظفار وفي التعليم الأولي على العلم بكتاب الله والعمل به والدعوة إليه بارتياد الكتاتيب القرآنية ودور القرآن الكريم وحلقات الذكر، وفي هذا المضمار قال الملك الحسن الثاني رحمه الله وهو يوجه أولياء الأطفال: ((غادي يدخلوا من سن خمس سنين إلى سن سبع سنين، وقررنا أن كل تلميذ عنده ورقة نتاع المسيد إلا وعنده الأسبقية نتاع الدخول إلى المدرسة))، وقديما قيل: “التعلم في الصغر كالنقش على الحجر”، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه أبو داوود والترمذي.

يرى الكثير من التربويين أن على الآباء والأمهات بدء المشوار التعلمي لفلذات أكبادهم بالكتاتيب القرآنية كمرحلة أولية ضرورية لحفظ الدين على منوال السابقين من الآباء والأجداد رحمهم الله، وبعد ذلك، فلتختر كل أسرة التعليم الذي يناسبها، عموميا أو خصوصيا، أو التعليم العتيق أو الدراسة بالبعثات الأجنبية، والأصل فيها، نقش النور الرباني في الصغر..

يقول أحد خادمي كتاب الله حول فضل الكتاتيب القرآنية: “الأصل هو التلقيح الروحي والإيمان ضد الأفكار والتيارات المنحرفة التي تريد لكل الناس أن ينحرفوا عن الفطرة، حيث يعجبهم ويطربهم أن يعبد الناس كل الآلهة من جاه ومنصب ومال ونساء إلا أن يعبد الله وحده، فهذا هو الذي يغضبهم”، ويقول الله تعالى: ((وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يومنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون)).

أما بالنسبة لوزارة التربية الوطنية ببلادنا، وبحسب ما ورد في مختلف مواقعها الإلكترونية، فإنه ((يقصد بالتعليم الأولي، المرحلة التربوية التي تتكفل بها المؤسسات التي يقبل فيها الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين أربع سنوات وست سنوات، ويهدف إلى ضمان أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع الأطفال قصد ولوج التعليم المدرسي وتيسير نموهم البدني والعقلي والوجداني وتحقيق استقلاليتهم وتنشئتهم الاجتماعية، وذلك من خلال: تعليم ما تيسر من القرآن الكريم بالنسبة للأطفال المغاربة المسلمين؛ تعلم مبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الأخلاقية؛ تعلم القيم الوطنية والإنسانية الأساسية؛ تنمية مهاراتهم الحسية الحركية والمكانية الزمانية والرمزية والتخيلية والتعبيرية؛ التمرن على الأنشطة العملية والفنية؛ التحضير لتعلم القـراءة والكتابة باللغة العربية من خلال ضبط التعبير الشفوي، مع الاستئناس بالأمازيغية أو أي لهجة محلية أخرى، وذلك لتيسير الشروع في القراءة والكتابة)).

وبناء عليه، يبقى من الأفضل، أو بالأحرى من اللازم، على الآباء والأمهات، أن يحرصوا على تربية أولادهم على هذا المنوال والنهج، وبعدها يبقى لهم حق الاختيار في اتباع المسار التعليمي- التعلمي الذي يناسبهم ويتماشى مع إمكانياتهم وتصوراتهم، ولكل أسرة حريتها الكاملة في اختيار التعليم العمومي أو الخاص أو التعليم العتيق، وكذا البعثات الأجنبية لكل من تستهويه ثقافات أخرى بعد مرحلة التعليم الأولي المشتركة بين كل المغاربة، فالأصل هو البدء بما هو أساسي كإرث مشترك وموروث ثقافي جماعي لكل المسلمين المغاربة ولكل أفراد الأمة الإسلامية.

وعند الرجوع إلى باقي الأمم لمعرفة نوع التعليم وطرق التربية التي تخصصه لأطفالها، سنرى الاهتمام الكبير لديها للحفاظ على موروثها الديني والحضاري والثقافي، وفي هذا الإطار، يؤكد التربويون الإسرائيليون مثلا والدارسون المهتمون بالتربية في كل بقاع العالم، أن جميع اليهود يعمدون إلى الرجوع في كل مناسبة إلى الماضي الذي تضمنه التوراة وروح الأنبياء صلوات الله عليهم، وإلى الدور التاريخي والروحي للشعب اليهودي، أي أنهم يرجعون إلى قلب التراث الروحي والفكري والأخلاقي والقانوني للتاريخ للحفاظ على كيانهم والذود عن وحدتهم، فاليهود عامة متدينون وأكثر تمسكا بالتوراة وطقوسها، والملاحظ أنهم في كل أماكن تواجدهم، يعيشون تقاليد البلدان المضيفة، لكنهم يحرصون على تعليم أبنائهم تعاليم الديانة اليهودية.

بالمقابل، نحن أمة القرآن يحق لنا طرح السؤال التالي: ماذا عن دور المدارس القرآنية من كتاتيب ودور القرآن ومدارس التعليم العتيق في تربية الناشئة؟ وما هي الأساليب والبرامج التربوية في الحلقات القرآنية لغرس المبادئ والقيم الإسلامية في نفوس أطفالنا والحفاظ على ديننا وتراثنا وحضارتنا؟

يتفق كل مدرسي التربية الإسلامية بالعالم الإسلامي، على أن المدرسة القرآنية تغرس في نفوس الأطفال والتلاميذ المبادئ والقيم الاجتماعية التي تساهم في بناء شخصيتهم لاحقا، وتساعدهم على التطلع إلى المثل العليا والأهداف الكبرى في الحياة، حيث يستمد المعلم القرآني برامجه في الحلقات التربوية من مجموع ما تفيض به ثقافة الأمة، ومما هو متوفر من معرفة يعتقد أنه أساسي في تكوين من يشرف على تربيته، وقد جاء القرآن الكريم ليربي أمة، وينشئ مجتمعا ويقيم نظاما.

لذلك، نهيب بوزارة التربية الوطنية، وبوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بإيلاء العناية الكاملة والمستحقة للتربية في التعليم الأولي، لترتكز على تعلم القرآن الكريم حتى يتسنى لنا إعداد جيل قرآني قادر على تنزيل كتاب الله، لنسعد بحضارة قرآنية ربانية تتزخرف بها الأرض وتتزين، قال تعالى: ((حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (سورة يونس الآية: 24).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى