المنبر الحر

المنبر الحر | الجماهير الكروية بين استعارة الحب واستعارة الكراهية

بقلم: نور الدين الطويليع

    اشتعلت مؤخرا مدرجات ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، بهتافات جماهير الرجاء البيضاوي الصادحة بشعار “خاوة خاوة ماشي عداوة”، وهي رسالة استعارية تعبر عن نوايا شعب مغربي يطمح إلى معانقة المصالحة وإعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين الجارين: المغرب والجزائر، ويأتي تكرار كلمة “خاوة” لإضفاء طابع الإلحاح والتصميم والرغبة الجامحة في عيش أجواء الأخوة مع الجار الجزائري.

هذا التأكيد يعقبه نفي “ماشي عداوة”، غايته تحصين هذه الرغبة من أي احتمال لتسرب نسبة ما من الشك في هذه الرغبة، فالأخوة المنشودة لا تشوبها شائبة، والحلم ذو سمة صوفية تؤطرها رغبة لا محدودة في الاندماج والحلول.

وقد قابل هذا الخطاب الراقي، المستمد من استعارة الحب التي تختزل انتظارات الشعب المغربي، وتشي بمشاعره تجاه الأشقاء الجزائريين، قابل هذا الخطاب خطاب آخر نطقت به الجماهير الجزائرية في مباراة يوم السبت 16 أبريل الجاري، وواجهت به لاعبي الوداد وهم يلجون أرضية الملعب، خطاب يستعير مفرداته من حقل الكراهية العمياء والحقد الأرعن، في ضرب سافر للأخلاق الإنسانية والقيم العربية التي تحث على إكرام الضيف وحسن استقباله.

في بلاغة الجمهور تعطى الكلمة للمواطن البسيط، ليتسيد الموقف ويعطي درسا بلاغيا للسياسي، من خلال تقديم خطاب مغاير، قد يكون لشحنته العاطفية المفعمة بنبض الشارع تأثير قوي في إحداث التغيير، وإرغام السياسي على تحويل بوصلة مواقفه إلى الاتجاه الذي ترضاه الجماهير، وقد كان المعول أن تعزف الجماهير الجزائرية السمفونية نفسها التي شنفت آذانها من الدار البيضاء، وترد تحية استعارة الحب بمثلها، أو بأحسن منها، لتتضح الصورة وتتجلى أكثر، وتضع السياسيين في قلب الجواب عن سؤال تلطيف الأجواء، والاستجابة للنبض الجماهيري، لكن الرد كسر أفق الانتظار، وجاء مخيبا للآمال باستعارة تمتح مفرداتها من معجم ساقط، يؤطره خطاب الكراهية العمياء المنسوج بألفاظ سمجة، تنطق بتخلف ظاهر، وعجز عن وعي حتمي بضرورة الخروج من قوقعة الحقد، وإصرار دوغمائي على العيش في جلباب سياسي يرتدي جبة عسكرية، ويسعى إلى إلهاء شعبه بصراع مفتعل مع بلد جار شقيق، حتى لا ينتبه إلى جرائمه التدبيرية في حقه، وحتى لا يدرك أن عدوه الحقيقي ليس هو الشعب المغربي والدولة المغربية، وإنما هو الطغمة العسكرية الحاكمة التي تهدر ملايير الدولارات في تمويل مرتزقة انفصالية لقيطة، وتحرم منها شعبا في مسيس الحاجة إليها.

وقد نسجت الواقعتان صورتين استعاريتين متناقضتين:

1) الصورة الأولى عنوانها تحسين القبيح بنفي العداوة، وإثبات الأخوة، وقدمها المغاربة سيرا على خطى سياسييهم الذين لم يتوقفوا يوما عن مد اليد للجار الجزائري.

2) الصورة الثانية عنوانها تقبيح الحسن، سوّد فيها الجمهور الجزائري الصفحة البيضاء بخربشات جارى فيها حكامه، وسار على منوالهم، وخيب أملنا في القطيعة مع القبيح، والاستمرار في صلب الخطاب الأول، ونتساءل هنا بحرقة: متى يكف الحاكم الجار عن ضخ منسوب الحقد المتدفق في أفراد شعبه؟ ومتى يتوقف عن غواية تضليل هذا الشعب بحكاية العداء ليستمر له البقاء؟ وهل سيعي هذا الشعب يوم ما أن شجرة الكراهية التي يصر حكامه على إطعامه ثمارها، هي سبب خروجه من جنة الأخوة والتقارب والرخاء والأمن والسلام؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى