تحليلات أسبوعية

بين السطور | دروس الاستحقاقات الفرنسية للمغرب

بقلم: الطيب العلوي

    من يطلع منّا على الأوضاع السياسية السائدة، سيجد أن الكثير من التكتلات والتجمعات السياسية تعمل على إيجاد ما يحميها أو يساعدها في ما تَصْبُو إليه، لكن في آخر المطاف، يجد من خلالها العقلاء حكمة أن “خير الأمور أوسطها”، والتي ليست بحديث للرسول “ص” كما يظن العديد من الناس، وإنما هي فقط من أقوال الحكماء.

وإذا كان مسك العصى من الوسط لم يمثل الحل الأمثل من قبل، خصوصا عندما تتعلّق الأمور بالقضايا المهمة والمصيرية، التي قد تكون لها مخاطر وخيمة، فقد أصبح يتضح الآن، بعد تكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017، والذي أسفر مؤخراً عن تأهل إيمانويل ماكرون ومارين لوبان مرّة أخرى للدور الثاني، مع حظوظ قوية لحفاظ ماكرون على كرسي الرئاسة، لتكون أيضا الانتخابات الفرنسية الحالية قد شهدت خسارة تاريخية للحزب الاشتراكي، واليميني المحافظ الديغولي، اللذين تعاقبا على السلطة لعقود عديدة.

عند قراءة العنوان، سيتساءل الكثيرون – بلا شك – ما الذي سيستفيده المغرب من الانتخابات الفرنسية، لنقول أن المغرب ليس في حاجة لتلقي أي درس من أي أحد، وبالأخص من ماما فرنسا(…)، بل بالعكس، فالنخب السياسية الفرنسية هي التي تلقت دروسا من المغرب أكثر ما تلقاه المغاربة من الفرنسيين، الذين اعترفوا بذلك في أكثر من مناسبة، وقد سبق للرئيس الفرنسي اليميني الراحل، جاك شيراك، أن قال في معرض حديثه عن المغفور له الحسن الثاني: “إنني مدين للحسن الثاني بمساعدتي على فهم أفضل لتعقيدات وقيم العالم العربي الإسلامي، وأنا مدين له بتمكيني من تحليلات تتميز ببعد النظر حول المآسي وكذلك حول فرص السلام في الشرق الأوسط.. إنني مدين له أيضا بتمكيني من وعي واضح للرهانات الدولية، وبدور أوروبا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وأيضا بما ينتظره العالم من فرنسا”، كما سبق للرئيس الفرنسي اليساري، فرانسوا ميتران، أن اعترف بمِثل ذلك، وبطريقته الخاصة(…)، خلال مأدبة عشاء أقامها الحسن الثاني على شرفه، وفوجئ الكل بتدخل صحفي فرنسي شهير، توجه بالحديث مباشرة إلى ميتران قائلا: “ألا تشعر بالخجل عندما يتحدث ملك المغرب العربي اللغة الفرنسية أفضل منك وأنت رئيس فرنسا؟”.. فلم يتأخر رد ميتران طويلاً، بل أجاب مواطنه فوراً: “هذا الرجل ملك وابن ملك، تربى وتعلم في القصور، بينما كان ميتران جندياً في أحد المعسكرات، وبالكاد يتعلم”.. ليجدد اعترافاته في حق المغرب لما ذهب الحسن الثاني إلى باريس، وخلال مأدبة عشاء أخرى(…)، ألقى الرئيس الفرنسي ميتران خطابا حمل في طياته رسائل كثيرة(…)، تحدث فيه عن الحقوق العربية في أرض إسرائيل، وحقوق إسرائيل في الأراضي العربية(…)، واختتم حديثه بالقول عن نفسه: “السيد ميتران يعتمد عليكم”.

تتمة المقال بعد الإعلان

الدرس الذي يخص المغرب الآن، في خضم الانتخابات التي تعرفها فرنسا حاليا، هو أنه لا شيء يظل على حاله، توفي اليميني شيراك، واليساري ميتران، ومع مرور الزمن، بدأ يتضح وضوح الشمس أن المبادئ السياسية لكل ما هو يميني ويساري، وكل ما هي أحزاب، عريقة أو حديثة، في طريق الاندثار، وبكل بساطة، كل ما لا يتغير وفق تغيرات العصر، قد يندثر..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى