تحليلات أسبوعية

بين السطور | مع ريان.. كلنا في الحفرة..

بقلم: الطيب العلوي

    أكيد أن الحدث المأساوي للطفل ريان، الذي حول المغرب إلى دفتر عزاء مفتوح، بعد أن اتشحت المنصات الرقمية العربية والدولية بالسواد، وحتى قنوات الإذاعة والتلفزةاختلطت فيها الأدعية بالدموع، وتعددت فيها الألقاب حول المغربي الصغير، بين “طير الجنة” و”ضحية الإهمال”، أو “شهيد البئر”…

شهيد البئر.. لكن أي بئر؟ ما دام البئر حسب معناه في القاموس، هو “كل حفرة في الأرض يُستخرج منها ماء”، وإلّا نقتصر على تسميته بحفرة – خصوصا في فترة شهدت فيها البلاد إقامة صلاة الاستسقاء(…) – حفرة تم حفرها بعمق 32 مترا،ولم يتم الوصول إلى أي ماء، ما جعل من الحفرة مصيدة لطفل كان يلعب حولها، تحولت في غضون أقل من 100 ساعة إلى قضية عابرة للحدود، في حادث أخرج المنطقة من عزلة فرضتها التضاريس الوعرة لسلسلة جبال الريف(…)، ليلقي بها في صدارة اهتمام الرأي العام الوطني والدولي، ملقنا في نفس الوقت لكل واحد على مدار خمسة أيام وأربعة ليالي، دروسا لا تُنسى(…)، مدة رمت بالجميع في ظلام واحد خلال البث الحي لجهود الإنقاذ، التي شكلت أول خلاصة إيجابية في لحظة إنسانية، ومحكّا حقيقيا أبانا لحسن الحظ(…)، عن الشعور بالمواطنة والمشترك الإنساني، حيث أن كل أب وجد نفسه مكان أب الضحية، وكل أم مكان أمه، وكل أخ مكان أخيه، وكل أخت مكان أخته، حتى شكل الطفل ريان جسدا واحدا نبض فيه ضمير جماعي لم يميّز بين الشعبي والرسمي(…) كما عبرت عنه جريدة “القدس العربي” بالقول: “في قضية المغربي ريان، فازت الإنسانية وخسرت الإثارة”.

سقطنا كلنا مع ريان في الحفرة، إلا أنه مات وارتقت روحه إلى السماء، بينما بقينا نحن جميعا في نفس الحفرة، أمام أعين وسائل الإعلام العالمية وأمام دكتاتورية الصورة(…)، فلم يكن لنا خيار آخر إزاءها غير وضع سائقي الجرافات وتقنيي المسح الخرائطي، وأصحاب الوقاية المدنية والدرك الملكي، وأهل الدوار الذين تجندوا لإطعامهم، في الصفوف الأمامية، للحجب عن الأنظار كل من تعودوا على احتلال نفس الصفوف(…)، من مشاهير “الإنستغرام”، وكل الحمقى الذين يظهرون لنا يوميا على “اليوتيوب”، على الأقل،لنبيّن للعالم أننا قادرون على ترتيب الأولويات، في انتظار إظهار كفاءاتنا فيما بعد(…)، في طرح النقاشات بصدد أهمية تطوير منظومة تدبير الكوارث والأزمات، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في هذا الشأن.

احتراما لروح الصغير، فهمنا أيضا أنه لا محل لتسييس الوضع(…)، ورسالة ريان بقيت محدودة في إطار استخلاص العبر السليمة، كون الأقدار المؤلمة التي تكرهها النفوس، قد تتحول من محنة إلى منحة، ومن بليّة إلى عطيّة، وأن مكان التضامن والتعاضد المجتمعي ما زال موجودا وسط الأمة العربية والإسلامية، بين أطفال مصر الراسمون للخطط التخيلية والورقية رغبة في العمل بها على إنقاذ ريان، وأطفال إفريقيا الذين قرأوا القرآن بنية نجاة ريان، وأطفال الجزائر المبتهلون أمام الشاشات أملاً في تفريج كربة ريان، والمندهشون، في نفس الوقت، من سلوك رئيسهم المختلف(…)، نفس الاندهاش الذي أصاب الأطباء الجزائريين، الذين قرر أزيد من 1200 منهم، من مختلف التخصصات، مغادرة بلادهم والاتجاه صوب فرنسا قصد الاستقرار والعمل بمستشفياتها..

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى