تحليلات أسبوعية

بين السطور | “حْلْ سدْ”

بقلم: الطيب العلوي

    تشكل القرارات بصفة عامة، كيفما كان نوعها، بداية شيء ما فقط، واتخاذها قد يغوص بصاحبها كل مرة صوب تيار جارف وحامل نحو وجهة مجهولة لم يكن يتوقعها في غالب الأحيان(…)، ولم تكن تدور في مخيلته لحظة اتخاذ القرار، ومن تم، يبقى من السهل علينا اتخاذ قرار جيد لمّا لا تكون متاحة أمامنا فرصة اختيار القرار السيء..

إلا أن الأمر المذكور، يخص حالة اتخاذ شخص واحد لهذا القرار أو ذاك، قرارات تصبح أكثر تعقيداً لمّا يستلزم اعتمادها تدخل مجموعة من الأشخاص فما بالك بالهيئات أو اللجان(…)، أي لَمّا تدخل فيها قوانين “كلها يلغي بلغاه”، وما حصل بحر هذا الأسبوع ببلادنا خير دليل على ذلك، عندما وقع تسريب إعلامي واسع النطاق، منسوب بصيغة غير مباشرة و”ذكية” للجنة العلمية والتقنية لمراقبة “كوفيد-19″، تداولته حتى بعض المواقع الشبه رسمية(…)، والمُقِر بأن المغرب لا ينوي تمديد إغلاق حدوده بعدما دامت فترة إغلاقها أسبوعين، عقب ظهور متحور “أوميكرون”، ويستعد (حسب الخبر) لفتح أجوائه في وجه حركة الطيران الدولي والرحلات البحرية. تسريبات سرعان ما قُوبلت ببلاغ نافي لذلك من طرف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، مؤكد أن الخبر زائف ولا أساس له من الصحة(…).

لكن الربط والمقاربة هنا، بين كيفية اتخاذ القرارات وما حدث، يأتي بما استوقف الكثيرين في الجزء الثاني من البلاغ، لما خاضت الوزارة في مجال الشرح والتبريرات.. على أن “اللجنة تجتمع بشكل أسبوعي، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك، لتقييم الوضع الوبائي الوطني والدولي، وتداول نتائج الأبحاث العالمية والوطنية، لرفع التوصيات المبنية على التحليل العلمي إلى السيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية، لتعرض في النهاية على اللجنة البين وزارية التي تتخذ القرارات الملائمة”. بلاغ جاء مصحوبا في نفس الليلة، بتصريح في الإعلام لحامل حقيبة نفس الوزارة الموقعة عليه، يقرّ بأن اللجنة العلمية ليس من شأنها إصدار المعطيات بشأن قرارات متعلقة بقطاعات أخرى، رافضا في نفس الوقت، مضي بعض أعضاء اللجنة نحو الإبداع في تأويل المضامين وتفسيرها، وأن التصريحات الصادرة عن أعضاء اللجنة نفسها، هي اجتهادات ومغالطات.

إذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت بعض وسائل الإعلام قد اقتصرت على تناقل تصريحات بعض أعضاء اللجنة، حسب نوع من الاعتراف من لدن السيد الوزير، فلِمَ اتهام المنابر الإعلامية واعتبار أخبارها زائفة؟ وما يهمّنا خصوصا:  صحيح أن الوضع صعب على الجميع، وحدوث انتكاسة وبائية يبقى وارداً في كل وقت بالنظر إلى الوضع الوبائي العالمي الخارج عن إرادتنا، لكن يبقى السؤال المفتوح والوارد في أذهان المغاربة بعد ما حصل هذا الأسبوع: من يقرّر استراتيجيات “حلّ سد” التي فاق عددها في ظرف عامين عدد المتحوّرات نفسها، من إغلاق، وفتح، ثم إعادة الإغلاق، والتكرار في ذلك، من حمامات وفنادق ومقاهي، إلى الإغلاق الحدودي الأخير، الذي وصل بالمتتبعين إلى حد عدم ربطه بـ”كورونا”، وإنما بحملة استباقية لدرء خطر إرهابي يهدد البلاد، والذي أثار – كيفما كان الحال – استياءً آخر للعاملين بقطاع السياحة، المرتعشين حاليا من ضربة قاضية بعد خسارة أخرى لهم نهاية هذا العام، تقدّر بأكثر من 100 مليون دولار على أقل تقدير، خلال فترة رأس السنة الميلادية فقط.

من يقرر إذن.. إن لم يكن هذا من اختصاصات اللجنة العلمية، على حد قول وزير الصحة، ولا الوزارة نفسها، بما أنها نسبت الكلمة الأخيرة لِما أسمته بـ”اللجنة البين وزارية” ؟

على كل حال.. وكما دوّنها أحد المعلّقين: “حذار من حْلْ سدّْ حتى يتهرّس القْفْلْ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى