المنبر الحر

المنبر الحر | منع المدين من السفر

بقلم: عبد الواحد بن مسعود

من هيئة المحامين بالرباط

    إن عددا من الأشخاص يلجؤون إلى الحصول على قروض من المؤسسات البنكية ويبرمون عقودا تحتوي على عدة شروط، ومنها مبلغ القرض، ومدته، وأقساطه، وتاريخ حلول الأقساط، والفوائد القانونية والفوائد التأخيرية، وأسباب سقوط الأجل، والمطالبة بباقي الأقساط وتوابعها، وتحديد موطن المخابرة، والمحكمة التي يعرض عليها النزاع المتعلق بتطبيق شروط عقد القرض.

وفي المغرب، فإن النزاعات المتعلقة بعقود القرض المبرمة مع المؤسسات المالية، تختص بالفصل فيها المحاكم التجارية طبقا للمادة 5 من القانون المؤسس للمحاكم التجارية، بغض النظر عن صفة الطرف المدين المقترض هل هو شخص تجاري أم شخص عادي لا يحترف التجارة.

كما أن المؤسسات البنكية تتخذ جميع الاحتياطات، لضمان إرجاع مبلغ القرض وتوابعه، ومنها مثلا، تقديم عقار غالبا ما يكون محفظا ليكون ضمانة رهنية تضمن استيفاء الدين وملحقاته، وعقد الرهن يسجل على الرسم العقاري لذلك العقار، ويتم إشهاره، ليكون العموم على بصيرة من وضعية ذلك العقار، وعلم بحق الأسبقية التي يتمتع بها الدائن المرتهن.

والظاهرة التي تفاحشت، أن أغلب المدينين المرتهنين، يتقاعسون عن أداء أقساط القرض، فتوجه لهم المؤسسة البنكية الإنذار العقاري، ثم بعد الحصول على شهادة التقييد الخاصة بالرهن، وهي بمثابة سند تنفيذي، تطلب المؤسسة البنكية طرح العقار المرهون للبيع بواسطة المزاد العلني، لتسترجع من منتوج بيع العقار ما لها من مستحقات.

إن مسطرة بيع العقار المرهون هي مسطرة طويلة ومعقدة ولم يدخل عليها أي تعديل يخفف من تعقيداتها ومن رسومها القضائية، وعلى سبيل المثال، هناك مساطر قضائية تتعلق ببيع العقار المرهون استغرقت عشرين سنة، وبدون جدوى، ويظل المدين يصول ويجول، ويكفي للتأكد من هذه الوضعية المؤسفة، الاطلاع على سبورة الإعلانات المتعلقة ببيع العقارات المرهونة.

ومن النتائج السلبية لهذه الوضعية المزرية، إحجام المؤسسات البنكية عن قبول الطلبات المتعلقة بالقروض والسلفيات، الأمر الذي تتمخض عنه عواقب تمس الحركة الاقتصادية.

وقد برر المشرع الكويتي ذلك، بأن المدين بعد حصوله على القرض، أو أي مدين تقاعس عن الوفاء بدين ثابت ومحقق، يجب اتخاذ جميع الإجراءات لإرغامه على الوفاء بديونه، التي يتمتع بها ويجول ويسافر بها، فقرر في المادة 297 من قانون المرافعات المدنية والتجارية والقوانين المكملة له، منع المدين من السفر.

فقد جاء في تلك المادة ما يلي:

– للدائن بحق محقق الوجود حال الأداء، ولو قبل رفع الدعوى الموضوعية، أن يطلب من مدير إدارة التنفيذ أو من تنتدبه الجمعية العامة للمحكمة الكلية من وكلاء بالمحكمة، إصدار أمر بمنع المدين من السفر، وبتقدير الدين تقديرا مؤقتا إذا لم يكن معين المقدار، ويصدر الأمر بذلك بناء على عريضة تقدم من صاحب الشأن لإدارة التنفيذ إذا قامت أسباب جدية تدعو إلى الظن بفرار المدين من الدين رغم ثبوت قدرته على الوفاء، وللآمر قبل إصدار الأمر، أن يجري تحقيقا مختصرا إذا لم تكفه المستندات المؤيدة للطلب.

ولا يخل صدور أمر المنع من السفر، بسلطة الإدارة في إنهاء إقامة الأجنبي أو أمره بمغادرة البلاد إذا اقتضى ذلك الصالح العام.

وجاء في المادة 298 ما يلي:

يبقى المنع من السفر ساري المفعول حتى ينقضي – لأي سبب من الأسباب – التزام المدين قبل دائنه الذي استصدر الأمر، ومع ذلك يسقط الأمر سالف الذكر في الأحوال التالية:

أ) إذا سقط أي شرط من الشروط اللازم توفرها بالمنع من السفر.

ب) إذا وافق الدائن كتابة على إسقاط الأمر.

ت) إذا قدم المدين كفالة مصرفية كافية، أو كفيلا يقبله المختص بإصدار الأمر.

ث) إذا أودع خزانة إدارة التنفيذ مبلغا من النقود يكون مساويا للدين وملحقاته وخصص للوفاء بحق الدائن الذي صدر الأمر بناء على طلبه. ويعتبر هذا المبلغ محجوزا عليه بقوة القانون لصالح هذا الدائن. وإذا وقعت عليه بعد ذلك حجوز جديدة فلا يكون لها اثر في حق من خصص له المبلغ.

ج) إذا لم يقدم الدائن لإدارة التنفيذ ما يدل على رفع المطالبة القضائية بالدين خلال سبعة أيام من صدور الأمر بالمنع من السفر.

فهل يقبل المشرع المغربي أن يقتبس هذا الإجراء، ويتخذ منه ضمانة تضمن للدائن السرعة في استرجاع ديونه، أم أنه سيحتج بالقوانين التي تعتبر السير والجولان والسفر من الحقوق المضمونة؟

تلك الضمانات تكون في الحالة العادية، وتكون ذمة الشخص فارغة من تحملات المديونية، وحقوق الغير في استرجاع ديونه.

أما من اقترض في حالة الشدة وتنكر للالتزاماته، فهو لا يستحق أي حماية قانونية، بل يجبر بالإكراه البدني على الوفاء بديونه، والإكراه البدني وسلب الحرية والإقامة في السجون والمعتقلات، أصعب بكثير من المنع من السفر.

ثم إن قوانين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، كلها تحث على الوفاء بالإلزام والشروط، والوفاء بالعهود، ورد الأمانات، ويكفي ما ورد عن النبي (ص) أنه قال: ((روح المؤمن معلقة على الوفاء بديونه)).

إن المشرع المغربي نص في المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية على أن قاضي التحقيق يمكن أن يصدر أمرا بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية، وخضوع المتهم لواحد أو أكثر من التدابير المذكورة في تلك المادة وعددها 14 تدبيرا، منها منع المتهم من مغادرة الحدود الترابية المحددة من طرف قاضي التحقيق، وتدبير إغلاق الحدود، ولكن تلك الإجراءات وردت في قانون المسطرة الجنائية، وتتعلق بمتهم ارتكب جريمة، وقد يسافر فرارا من نتائج المتابعة الجنائية، بينما ما ذكر، يتعلق بمعاملة تجارية، ومنع سفر المدين بسبب عدم الوفاء بديونه، وحق الدائن في اتخاذ كل تدبير تحفظي للحصول على مستحقاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى