المنبر الحر | الموسم الفلاحي ليس مجرد أرقام
بقلم: عثمان محمود
اعتادت الجهات المسؤولة عن القطاع الفلاحي، أن تصدر في نهاية كل موسم فلاحي، أرقاما وإحصائيات تتحدث عن المحاصيل، وعلى الخصوص منها تلك التي تهم الحبوب وما يمت إليها بصلة، غير أن تلك الأرقام في الغالب، تبقى بدون تقويم فعلي من شأنه أن يسهم في استثمارها بشكل جاد في ما يأتي من المواسم الفلاحية، بحيث يساهم ذلك التقويم الشامل في توجيه وإرشاد الفلاحين قصد الدفع بالإنتاج نحو الأفضل والأجود، كما أن بإمكانه أن يكون وسيلة لدراسة الأراضي ودرجة خصوبتها وعطائها، وما تحتاجه من مقومات تعمل على الرفع من كمية وجودة المحاصيل، فضلا عن ترشيد استهلاك مياه السقي، واختيار البذور المناسبة حسب المناطق والجهات، بل أكثر من هذا، فإن التوظيف الأمثل لنتائج مثل هذا التقويم المدروس دراسة جادة، في استطاعته أن يحد من وفرة بعض المحاصيل التي أضحت تقترب من درجة التبذير الخطير للجهد، والاستنزاف الأخرق للفرشة المائية والإضعاف المهلك للتربة، والاستهلاك المفرط للأسمدة وما إليها، ولنا في بعض الفواكه الصيفية المثال الواضح في هذا الصدد، فها هو البطيخ الأحمر (الدلاح) قد صار في الأعوام الأخيرة يغرق الأسواق في وقت محدد، فتعج به، إلى جانب أماكن البيع المعتادة، جنبات الطرق الرئيسية، والساحات، ويجول به الباعة وسط الأحياء والدروب، كل ذلك بأثمنة بخسة، دون تساؤل جدي عما صرف عليه من عناء، وما استهلكه من مياه، ما أشد الحاجة الماسة إليها في هذا الزمان، والأسف كل الأسف، أن الوفرة الوافرة لمثل هذا المنتوج التي تحمل كل سمات الخلل والشذوذ، لا تطرح على بساط الدراسة المسؤولة، بغية اجتناب تكرار أثارها السلبية على أكثر من صعيد في المواسم الفلاحية القادمة، إذ ما إن تلوح بشائر عملية الزرع في الأفق حتى يبادر المتطلعون إلى الأرباح، إلى تهيئة الحقول في سباق مع الزمن من أجل أن تكون بواكر المحصول في الأسواق قبل الأوان دون اكتراث لأمر الإساءة إلى التربة والمياه، والأسمدة، وصحة المستهلك فوق ذلك كله.
إن من واجب المشرفين على القطاع الفلاحي، أن يوجهوا اهتمامهم إلى مثل هذه الخروقات، حتى يتم التحكم الصارم في كل المنتوجات التي تجود بها الحقول والضيعات، بحيث تحدد الكمية المستهلكة مسبقا، وكذا المدة التي ستكون فيها داخل الأسواق، لينال كل منتوج حظه من الاستهلاك بدل أن يحل الكل في وقت واحد، وما يرافق ذلك من تبذير تشهد عليه مكبات جمع القمامة، كما أن التحكم المشار إليه، بإمكانه أن يوزع مناطق الزراعة بدقة، مع اعتماد نظام التناوب والدورات الزراعية، من خلال دراسات ميدانية تحت إشراف المهندسين الفلاحيين والتقنيين، مع التوظيف الأمثل للبرامج المعلوماتية التي باتت توفرها الحواسيب المتقدمة، فالمجال الزراعي العصري قد خطا خطوات جبارة في مجال التخطيط الرشيد، فلنعمل في بلدنا المعطاء على حسن استثمارها حتى لا نترك المجال مفتوحا أمام من أعمتهم الأرباح وهوامشها العريضة، إلى العبث بالتربة، والتضييع اللامسؤول للمياه الجوفية، خصوصا في المناطق الجافة، والاستعمال المفرط للأسمدة قصد الزيادة في حجم وكمية المحاصيل، وما ينجم عن كل ذلك من اختلالات ذات التأثيرات السلبية على أكثر من صعيد.