المنبر الحر

المنبر الحر | المحامي القوي لا يحتاج لمن يحمي حقوقه  

بقلم: حسوني قدور بن موسى

محامي بهيأة وجدة  

    قديما، كان أهل اليونان ينقسمون إلى أحرار وعبيد، وقد حرم القانون اليوناني مهنة المحاماة على العبيد، لأن العبيد في ذلك الزمان كانوا ضعفاء الشخصية، لا يستطيعون محاجة القاضي الند للند، ولأن كلمة محامي مشتقة من كلمة الحماية، والمحامي الضعيف لا يستطيع حماية الإنسان الضعيف الذي يتعرض للظلم والقمع والاضطهاد، ولهذا فإن المحامي الذي ينتظر من وزيرالعدل الدفاع عن مصالحه وحقوقه، لا يدرك قيمة وعظمة البدلة التي يرتديها والتي يدل لونها الأسود على حزن المحامي على غياب العدالة فوق هذه الأرض.

وفي هذا الصدد، لا بد من التذكير بالإضراب العام النضالي الذي قام به المحامون في فرنسا والبالغ عددهم 70000 محامي، والمنتمون إلى 164 نقابة، ضد نظام التقاعد الجديد الذي قررته الحكومة والذي يهدف إلى رفع نسبة المساهمة في صندوق التقاعد إلى الضعف، أي من 14 في المائة إلى 28 في المائة، رغم أن أكثر من نصف المحامين الفرنسيين البالغين 60 سنة من عمرهم، يحصلون على تقاعد قدره 17000 أورو في السنة، في حين يحصل المحامي المغربي المتقاعد في سن الستين، على مبلغ هزيل جدا قدره 15000 درهم في السنة، أي 1300 درهم في الشهر، وقد قال المحامون في فرنسا: “لا يمكن أن ندفع اشتراكات مالية مرتفعة من أجل الحصول على تقاعد هزيل”.

وقد كانت احتجاجات فريدة من نوعها قام بها المحامون في فرنسا، عبر إلقاء بدلاتهم السوداء على الأرض، احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد الذي لم يكن في مصلحتهم، وكان ذلك خلال زيارة وزيرة العدل لإحدى المحاكم، حيث ألقى العشرات من المحامين المتظاهرين ببدلاتهم أرضا في بداية خطاب الوزيرة، التي فوجئت بهذا الشكل الاحتجاجي الفريد من نوعه وهي تهم بإلقاء كلمة لها داخل المحكمة، حيث قال أحد المحامين الفرنسيين: “إنها رسالة قوية ورمزية”، وأضاف بأنها “طريقة لإشعار الوزيرة بأن إصلاح أنظمة التقاعد يقتل المحامين”، وأوضح أنه “إذا كانت هذه البدلة لا تستطيع الدفاع عن حقوقي، فكيف يا ترى تستطيع الدفاع عن حقوق المواطنين الضعفاء؟”، وعندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مدينة دانكارك في شمال فرنسا، استقبله المحامون وكان على رأسهم النقيب، الذي وجه إليه كلمة شديدة اللهجة واتهمه بمحاولة إفقار المحامين، متسائلا: “إذا كان المحامي رجل القانون غير قادر على الدفاع عن حقوقه، فكيف يا ترى يستطيع المواطن العادي الحصول على حقوقه؟”، بينما قال أحد النقباء الأثرياء في بلادنا: “حشومة على المحامي الذي لا يؤدي الضرائب”، متجاهلا أن الذين يؤدون الضرائب في المغرب هم من الطبقة المتوسطة والفقيرة. 

كانت احتجاجات المحامين في فرنسا ضمن سلسلة إضرابات نظمتها قطاعات واسعة من الفرنسيين ضد إصلاح نظام المعاشات، وعلى إثر تلك الاحتجاجات، أعلنت الحكومة بأمر من رئيس الجمهورية، استعدادها لتقديم تنازلات فيما يخص المهن الشاقة التي لا تسمح لأصحابها بالعمل فترة طويلة كغيرهم، وترفض معظم النقابات سن التوازن الذي سيصل سنة 2027 إلى 64 سنة، علما أن الحكومة ورئيس الجمهورية، يؤكدان على أن السن القانونية للتقاعد هو 62 سنة.

وفي سنة 2017، نظم المحامون في تونس احتجاجات ضد مشروع قانون المالية الذي ينص على فرض ضريبة على كل المحامين، تتراوح قيمتها بين 8 و25 دولارا عن كل قضية يكلف بها المحامي، وقد نظموا احتجاجات في محاكم تونس وأمام البرلمان ضد سياسة الوزير الأول، يوسف الشاهد، وأكدوا رفضهم القاطع لكل الإجراءات الجبائية التي تضرب مستواهم المعيشي وتمس مبدأ المساواة ومجانية التقاضي، كما طالبوا بإسقاط كل المواد التي تمس عمل المحامي أو التضييق في مجال عمله، والكف عن استهداف مهنة المحاماة ومحاولة تشويهها، وقد انتصروا في معركتهم ضد سياسة الحكومة.

أما في المغرب، فإن المحامين لا يحركون ساكنا ضد الأوضاع المأساوية التي تعيشها المهنة، والتي  تزداد سوءً يوما بعد يوم، بسبب عدة مشاكل، أهمها الضرائب غير العادلة المفروضة عليهم، التي تثقل كواهلهم والتي لا تتناسب مع طبيعة مهنة المحاماة، ومنها الضريبة على القيمة المضافة، التي تخص التجار، إذ استطاع العدول والأطباء، ومنهم أطباء الأسنان، الحصول على الإعفاء منها، هذا فضلا عن تزايد عدد المحامين كل سنة والذي يستوجب التفكير في إيجاد حلول لها، ومنها إحداث معهد خاص لتكوين المحامين المتمرنين على غرار مدرسة  تكوين المحامين في فرنسا.

كانت مهنة المحاماة عبر التاريخ، أمل الأمة في تحريرها من العبودية والاضطهاد والقمع، فكانت أداة للنضال يتطلع إليها الشعب لقيادته، وقد شهد العالم عددا كبيرا من المحامين العظماء الذين تركوا بصمات على صفحات التاريخ بنضالهم من أجل حرية شعوبهم، أمثال محامي شعب جنوب إفريقيا، نيلسون مانديلا، الذي خاطب المحكمة العنصرية قائلا: “إن الحرية لا تقبل التجزئة، لأن القيود التي تكبل شخصا واحدا في بلادي هي قيود تكبل أبناء وطني أجمعين”، وكذلك المحامي ماهاتما غاندي، الذي استطاع تحرير الهند من الاستعمار الإنجليزي، وقد كان يشرب حليب الماعز بدلا من شراء حليب المستعمر، وأيضا المحامي المصري الكبير، سعد زغلول، الذي واجه حاكم مصر الخديوي إسماعيل باشا، وطلب منه الابتعاد عن التدخل في شؤون مهنة المحاماة والقضاء.. لكن للأسف، أصبح المحامي اليوم هو المضطهد، فيبقى الجانب المادي هو هدفه وهمه الوحيد، ومن أجل قوت عيشه يقف أمام القاضي موقف الضعيف لا موقف محامي العزة والكرامة الشهم الشجاع المدافع عن العدالة والحق ضد الظلم والطغيان.

إن الشيء الذي لا يليق بسمعة المحاماة هو سماع أصوات بعض المحامين في بلادنا يكيلون التهاني والتبريك والمدح والمديح والتبجيل والتعظيم لبعض المسؤولين الجدد، حيث يأملون منهم الدفاع عن حقوق ومصالح مهنة المحاماة وهم يجهلون أن المحامي ينتزع حقوقه بيده كما فعل المحامون المناضلون في فرنسا وتونس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى