المنبر الحر

المنبر الحر | المغشوش في حكومة أخنوش

بقلم: مصطفى مُنيغ

    سمعنا أحدهم من مجلس النواب يعارض بأسلوب لا يليق بمن أَلِف لمدة 10 سنوات وهو في صف حكومة العثماني، يمدح منجزاتها العجيبة وتخطيطاتها الرائعة، التي أدت بها، كما هو معلوم، إلى تلك الهزيمة المشهود لها على امتداد تاريخ الأحزاب السياسية المغربية بصغيرها وكبيرها، أنها الأوضح تعبيرا عن غضب الشعب عليها وما قدمته من الألف للياء أظهرت من خلاله أن الحكومة في هذا الوطن وجودها من عدمه سيان، من حق ذاك المعارض أن يعبر عن رأيه كما شاء متيقنا كضرورة مفروضة عليه كواقع واقع وليس من نسج الخيال، مسايرا في ذلك الأغلبية، أن المستمع إليه ولو بالصدفة (خاصة في مدينتي مكناس والقصر الكبير) ، أن مسرحية ذلك الحزب ولَّى زمانها انطلاقا من 8 شتنبر الماضي، فكان الأجدر أن يصرف النظر عن التفكير في جلب أي اهتمام يؤدي إلى تكرار الثقة بذاك الحزب مهما كان المدى قريبا أو بعيدا، إذ أن الشعب المغربي العظيم من مواقفه المحمودة، أنه لا يرهن مصيره مرة ثانية لتجربة سياسية فاشلة قائمة على تعهدات حزب كرس عكسها وهو يتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة.

المعارضة شيء مطلوب لإظهار المغرب دولة ديمقراطية متكاملة مع الحداثة وما جاورها من تفرعات تخدم التقدم على النمط الغربي حالما تبدد بلا هوادة العربي، لكن للمعارضة شروط حتى الأبسط منها غير متوفّر في حزب سياسي ما عرف المغاربة في عهد حكمه لا عدالة ولا تنمية غير خدمة مصالح خاصة كالموافقة الرسمية للتطبيع مع إسرائيل مثلا، وهو الرافع منذ مؤسسه الراحل الدكتور الخطيب ذي المرجعية الجزائرية (المتخلّي عن دوره الأساسي في قيادة الحركة الشعبية رفقة صديقه الراحل المحجوبي أحرضان) لشعار “لا تعاون مع أي شيء اسمه إسرائيل” كمبدأ لا رجعة فيه، وفاء للشعب الفلسطيني المجاهد حتى يتمكن من تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الموحدة، إذن، تجاوز مثل المبدأ من طرف حزب سياسي إسلامي المصدر والتوجّه، العارف أصحابه القادة بما للتمسك بالمبادئ، حينما تتخذ بعهد المحافظة عليها، بكونها خروجا عن السرب وتبديلا للراسخ الثابت بالهش المتحرك صوب الهاوية. 

المعارضة لها أناسها أصحاب الخلفيات الخالية من المواقف المزدوجة، يوم هناك مع الحكومة مهما أخطأت، واليوم هنا ضد نفس الجهاز وإن لم يخطئ بعد، الموقف الأول ناتج عن المشاركة الفعلية بقيادتها، والثاني قائم على حرمانهم من التقرب حتى منها لما حصدوه من هزيمة زعزعت أركان حزبهم ليصيبه الدمار السياسي الكامل الذي لن يعثر طيلة العقد التالي عمن يرمم ما تهدم منه ولو في الحد الأدنى، لأن اللعب لا يكون مع شعب عبقري صبور حكيم مثل الشعب المغربي العظيم، الذي أسقطهم بنفس الوسيلة الديمقراطية التي رفعهم بها، إن لم تكن الأخيرة نسف بتطبيقها (عن اقتناع) خبرهم عن أي حكومة الحالية كالمستقبلية، عساهم يكفون عن ركوبهم موجة التدين وكأنهم عائدون بالمغاربة لعهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإذا بهم حكومة تتقدم ما نهى عنه نفس الدين، من ظلم وجور والسماح بترويج المحرمات ومنها الاستعانة بواردات بيع الخمور لتدبير أمور المسلمين العامة، والكثير من السلبيات نتنزه عن ذكرها، الجميع داخل المغرب وخارجه على بينة كاملة منها.

المعارضة تكون شريفة مهما هدفها ارتبط بالدفاع عن حقوق المغاربة قاطبة، استنادا على معطيات لا يلمسها الباطل ولا تجانسها مصلحة ذاتية مهما شملت حزبا طرده الشعب من تحمل أي مسؤولية تخصه مهما كانت، إذ من جاء على أصله لا سؤال عليه، معارضة شريفة بمناضليها الشرفاء المترفعين عن أي مشاركة نفعية من ورائها إسكات صوتهم المسموع من طرف الشعب، والمغرب زاخر بهم محتفظ مَنْ يعلم بوجودهم ذاك الشعب الذكي، ليجعلهم في طليعة قَوْمَتِهِ مهما رأي ساعة لزومها، بعدما يكون العياء من صبر مهما طال لا ينفع، وسلام اجتماعي معرّض للضياع، والاستقرار الوطني أحلَّ باستمراره ما يمنع.

ذاك المعارض أو بالأحرى مَن يلعب دور تمثيل معارضي نواب البرلمان، يواجه أخنوش كحكومة هو رئيسها، أنه وجد كل شيء مهيئا من إنتاج الحكومة السابقة بولايتيها الأولى بقيادة بن كيران، والثانية بزعامة العثماني، وهو ادعاء غير صحيح يحتاج لمصداقية الترويج العلني وفق المعلومات الحقيقية المجردة من أي زيادة أو نقصان، بالتأكيد أن تحسنا ملحوظا ميّز السنوات القليلة الماضية، وذلك بفضل مجهود يعود للمؤسسة الملكية، تموقعت الحكومة في إطاره كجهاز رغم دستورية مقامه، في دور التنفيذ وحسب، دون التخطيط، ذاك المعارض (ومن معه) يعلم علم اليقين، أن لتلك المؤسسة من المستشارين والخبراء وحكماء التدبير العمومي في كل المجالات، ما يفوق بمراحل طويلة ما تتوفر عليه حكومة خاضعة لمقاييس حزبية فارضة نفسها بعناصر قد تكون آخر ما للشعب المغربي من عباقرة وعلماء، لكنهم خارج الدائرة الحزبية الضيقة، ولولا تلك المؤسسة الملكية لتأخر المغرب عن متطلبات العصر الذي لم يعد فيه مكان إلا للأقوياء تخطيطا وشعورا بمسؤوليات النمو الاقتصادي المطلوب، لنماء مجتمع على قدر من الازدهار المرغوب، خارج التطاحن على المناصب، أو التكالب على استغلال نفوذ ذات المناصب، ولو كانت المؤسسة الملكية متيقنة من كفاءة الحكومة الحالية كالسابقة، لما طعمتها بعديد من “وزراء سيادة” حفاظا على توازنات، الدولة في قمتها مدركة تمام الإدراك أن المملكة المغربية لن تفرط أبدا في حق مسؤولياتها أمام الشعب المغربي، خدمة لمصالحه العليا، بمعنى دار الحكومة كائنة بما تحتاج من تجهيزات قانونية، من سكنها مرتبط بفترة زمنية ويرحل، أما الدار فباقية لأنها ملك للشعب المغربي الذي له نظام يقوده ويثق في قيادته حتى الآن، انطلاقا من هذا، ذاك المعارض ومَنْ معه حزبا سياسيا مهزوما يعارض مَن؟ أو مثله مثل غيره فوق مسرح خشبة مرحلة تتشكّل فيها بداية أخرى من بدايات متكررة مع زمن لا أحد يتكهن لتوقعات أحداثه سوى المتخصصين الذين جعلتهم الدولة عيونا بكل التكنولوجيا الحديثة تراقب، وأيادي ماهرة في كتابة التقارير لتُعرض النتائج على أدمغة لا يَعْرِفُ أصحابها إلا المخوَّل لمعرفتهم وهم قلة قليلة للاحتياط المفيد. على المعارض أيا كان، إذا وصل لوضع اليد على “المغشوش في حكومة أخنوش”، أن يكون قادرا على استنباط ذلك من معلومات لا يرقى للوصول إليها غير المختص في جهاز استخباراتي مؤهل برخصة البحث غير العادي عنها، لدراستها أولا وفق أسلوب ذي وسائل معرفية فنية خاصة، تصل لوضع كل جواب منطقي مقابل كل سؤال موضوعي، مستمدّ من الدوافع لُبّ الأسباب، لتكوين هيكلة اتهام (إن وُجد) موصوف بما تفسحه القوانين من تبريرات معززة بالحق، إرضاء لضمير الدولة كمشرف شرعي عام بيده بعد النطق بالحكم التدخل لا قبله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى