المنبر الحر

المنبر الحر | الدولة الشقيقة.. شعب شقيق ونظام ماض في التضييق

الجزائر.. الجار الجائر "الجزء 1"

بقلم: بوشعيب حمراوي

    ما قيمة مناورات وشطحات جنرالات وحكام الجزائر (الدولة الشقيقة) الرافضين لفكرة أن المغرب يحضن أراضيه الصحراوية ويباشر منذ عقود أشغال التنمية والاستثمار بها، ما دام الرأي العام الدولي يؤكد على ضرورة تسوية ملف الصحراء المغربية داخل الأمم المتحدة، وما دامت القوى العالمية المؤثرة والجادة، تقر بمصداقية المقترح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وهو المقترح الذي قبل به الشعب المغربي على مضض أملا في إنهاء هذه الأزمة المفتعلة؟ لماذا يصر هؤلاء الحكام على ترسيخ معاناة الشعب الجزائري، بزرع الكراهية بينه وبين شقيقه الشعب المغربي؟

نظام العسكر بالجزائر يرفض فتح الحدود، بدعوى عداء لا يتواجد إلا في مخيلاتهم، فهم يطالبون تارة بإنصاف صنيعتهم البوليساريو، وتارة يشترطون اعتذار المغرب عن أحداث لم تحدث، وتارة ثالثة يتحدثون عن “قرار فرض التأشيرة على الجزائريين” في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي شهدته مدينة مراكش سنة 1994.

عوض أن يشكروا المغاربة على دعم استقلال الجزائر، وعوض شكر المغاربة على الصبر والصمت تجاه مضايقات واستفزازات النظام الجزائري، وعوض تقديم الاعتذار للشعبين الجزائري والمغربي على حوالي خمسين سنة من المعاناة بسبب فرض إقامة ورعاية جمهورية وهمية فوق أراضي جزائرية، حيث يتم احتجاز بعض الصحراويين المغاربة، ومعهم بعض الأفارقة، لاستغلالهم من أجل ابتزاز المغرب وتعليق التنمية بجزء من أراضيه.

فالكل يعرف أن النظام العسكري الجزائري، اعتاد المراهنة على افتعال أزمات مع المغرب، عن طريق ملف الصحراء المغربية، الذي لا ناقة ولا جمل له فيه، من أجل شغل الشعب الجزائري عن مآسيه وهمومه التي لا تنتهي، وإيهامه بخطر خارجي لا يتواجد إلا في مخططاته المزعومة.

والكل يعلم أنه لا مجال ولا فرصة لانتخاب رئيس جديد للجارة الجزائر يعارض نزوات وحقد العسكر الدفين ضد المغاربة، وحتى إن تم انتخابه، فإن الآلة العسكرية تمتلك كل الوسائل لإرغامه على الخضوع والخنوع لنزواته، أو الانسحاب، ولم لا حتى تصفيته جسديا..

مع مطلع كل ولاية رئاسية جديدة، تظهر نوايا العسكر في تصريحات كل رئيس جديد، باعتبار أنه نصب رغم أنف الجزائريين الأحرار، المطالبين بتنحي كل رواد الإرث السياسي القديم، يرى في إشعال فتيل التوتر مع المغرب حلا آنيا للتخلص من احتجاجات الشعب الجزائري الرافض للانتخابات الرئاسية، بدل الإنصات إلى نبض الشارع الجزائري، وإنصافه من مهازل التدبير والتسيير والفساد التي يقر بها العادي والبادي.

فكل رئيس جديد يترك مهمته المنحصرة في الاهتمام بمطالب الشعب، ويفضل الاهتمام والمتاجرة بمرتزقة البوليساريو، وقادتهم الذين نصبهم خصوم المغرب بدعم من العسكر الجزائري، من أجل تبذير أموال الشعب الجزائري وأموال المساعدات الإنسانية، تؤجل كل المطالب الاجتماعية والاقتصادية للشعب الجزائري الشقيق، والتي ما فتئ ينتفض من أجلها، ليتفرغوا لـ”صداع الرأس” مع المغرب، ويجعلون من الجزائر الشقيقة تلك الدولة “الشْقيقة”، التي خيب نظامها آمال المغاربة والجزائريين، وأصابهم بآلام حادة في الرأس والقلب، بسبب سلوكيات نظام يتغذى من العدوانية الدائمة تجاه المملكة.

كتب على شعب الجزائر أن يعيش تحت رحمة نظام لا يأبه لمطالبه، نظام جعل من أولى أولوياته مضايقة المغرب والدفع نحو زعزعة استقراره، لسبب بسيط، هو أن المغرب، اعتبر ولا زال يعتبر بلد الأمن والأمان، بلد منفتح ومنشغل بشؤونه، والشعب الجزائري يطالب بحياة مثيلة، يرفض العسكر تحقيقها رغم ما تتوفر عليه الجزائر من ثروات غازية ونفطية توزع مداخيلها بين القادة العسكريين والموالين لهم، كما تصرف في التسليح ودعم الفتنة.

هل يعلم الرئيس وخلفه قادة العسكر، أن بالمغرب إجماعا وطنيا على مغربية الصحراء، وعلى التضحية من أجل كل شبر من أرضه وكل حبة رمل من رمال صحرائه؟ وهل يعلم أن كل أسرة مغربية شاركت بمتطوع في المسيرة الخضراء التي هندسها الملك الراحل الحسن الثاني، وحرر بها الصحراء، وشاركت وتشارك بجندي لحمايتها؟

فبقدر ما نحن مقتنعون بأن لا نظام في العالم يريد المغرب بصحرائه، مغرب حر في استغلال ثرواته والاستثمار في أراضيه الجنوبية كاملة، ومقتنعون بأن الجزائر في مقدمة تلك البلدان الرافضة لنهضة المغرب، حتى لا ينتفض شعبها المقهور، بقدر ما نحن مقتنعون بأن لا نظام في العالم يريد أن تحدث هناك “دويلة” جديدة، تعيد تشكيل خريطة المغرب العربي وشمال إفريقيا، تضر بمصالح دول الجوار ومعها الدول المنتفعة منها، ونؤمن جيدا أن الجزائر في مقدمة تلك الدول، التي ترفض إحداث دولة جديدة بموارد طبيعية قد تحرج النظام الجزائري، الذي يسعى فقط إلى أن يبقى ملف الصحراء المغربية عالقا إلى الأبد، ليبقى منتفعا به في مواجهة الانتفاضات الداخلية للشعب وابتزاز المغرب.

نأمل في اتحاد مغاربي قوي يضم كل شعوب المغرب الكبير (عرب وأمازيغ)، نؤثث لبيت آمن حيث يمكن للأشقاء التماسك والتلاحم والتناغم والعطاء والتميز، لكن آمال وأحلام الأشقاء لم تكن لتتحقق وسط أجواء مشحونة بالحقد والخيانة، والعداء للمغرب من نظام الجزائر، قبلنا بالاكتفاء بضمان حسن الجوار، وتمكين الأشقاء من التواصل والتعاون، وتخلينا عن أجزاء من ترابنا لفائدة أشقائنا الجزائريين (تندوف نموذجا)، لكن حتى هذا المطلب الإنساني والاجتماعي لم يكن ليتاح مع هؤلاء المتربصين الرافضين لكل تنمية أو لمّ شمل.

ففي الوقت الذي يفتح المغرب ذراعيه من أجل طي صفحات الماضي، ويبعث الملك برسائل واضحة ويجدد طلبه بأمل فتح الحدود وإعادة العلاقات مع الأشقاء، يواجه بنفور غير مبرر، وعنف لفظي صادر عن هرم القيادة الجزائرية.

ألا يتذكر القادة الجزائريون ما وقع سنة 1844، حيث دارت أطوار معركة “زمالة” بين قوات الأمير عبد القادر الجزائري والجيش الفرنسي، والتي انهزم خلالها الأمير، فتراجع بما تبقى من مقاوميه إلى الأراضي المغربية، ليستعين بشقيقه السلطان المغربي عبد الرحمن بن هشام؟ وفي 14 غشت 1844، هاجمت القوات الفرنسية الجيش المغربي، في موقعة “إيسلي” بوجدة، وهي الحرب التي أنهكت القوات المغربية، إلى أن اضطر السلطان المغربي إلى رفع الحماية عن الأمير عبد القادر وتوقيع معاهدة “لالة مغنية” في 18 مارس 1845 مع فرنسا، بموجبها استمرت الحدود التي كانت بين الجزائر والمغرب على نفس الترسيم القديم في العهد العثماني، على أن تكون منطقة الصحراء الشرقية التي تضم تندوف المغربية مشتركة بين البلدين، لكن في سنة 1950، ضمت سلطات الاستعمار الفرنسي رسميا إقليم تندوف وبشار إلى الأراضي الجزائرية.

قبل المغرب على مضض هذا التقسيم الاستعماري، ولم يجادل كثيرا في الأمر، باعتبار أن الجزء المحذوف من ترابه أصبح في ملكية دولة شقيقة، بعد حصول المغرب على الاستقلال عام 1956، طالب النظام الفرنسي بإعادة ترسيم الحدود، واسترداد إقليمي تندوف وبشار.

يتبع

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى