المنبر الحر | خامس أكتوبر.. ذكرى المدرسين بدون ذاكرة
بقلم: بوشعيب حمراوي
حلت يوم الثلاثاء الأخير، ذكرى الاحتفاء العالمية بالمدرس المغربي وسط أجواء مشحونة بمعاناة عدة فئات تعليمية ماديا ومعنويا، وضبابية المسار التعليمي، وقد تزامنت هذه السنة مع اجتماع لجنة الخبراء المشتركة بين منظمة العمل الدولية واليونيسكو، المعنية بتطبيق التوصيتين الخاصتين بأوضاع العاملين في التعليم، الذي نظم خلال الفترة ما بين 4 و8 أكتوبر 2021، ولم يكشف بعد عن توصياتها.
هذه الذكرى التي لا يختزن لها المدرسون أي بصمة إيجابية، تمر مرور الكرام بدون أدنى اهتمام لا من طرف المسؤولين ولا حتى من طرف الأطر التربوية المعنية، لتبقى لديهم ذكرى بدون ذاكرة، وعيد مع وقف التنفيذ.
مع الأسف، يستمر اعتبار الأستاذ (ة) الشماعة التي يعلق عليها المسؤولون فشل برامجهم ومخططاتهم ورؤاهم، تواطأ الكل من أجل النيل من سمعته وشرفه، وقتل روح التربية والتعليم في داخله، ففقد المعلم هيبته.. لا قيام ولا تبجيل ولا تقدير، ولا حتى وقار، المفروض أنه الأستاذ والأب والمربي، حيث بات يتلقى المهانة والسخرية والتهم الملفقة من التلامذة والآباء والوزارة الوصية، لم تعد تحق عليه الأبيات الشعرية التي تغنى بها في حقه أمير الشعراء، الراحل أحمد شوقي، بعد أن نسجت الحكومة بديلا لها في صيغة جديدة مطلعها ((قم للمعلم وفِّه “التبهديلا” كاد المعلم أن يكون مغبونا)).
لابد إذن، على الحكومة الجديدة، أن تضع برنامجا تنمويا تعليميا جديدا، بالاعتماد على المدرس، من أجل تشخيص وتشريح واقع التعليم، واقتراح الآليات والسبل الكفيلة بنهضته، ولابد من تغيير حتى اسم الوزارة الوصية التي لا تتضمن كلمة “التعليم المدرسي”، وتكتفي بكلمتي “التربية الوطنية”، لأن هذه التربية الأخيرة هي واجبة على كل المغاربة داخل وخارج فصول الدراسة بغض النظر عن أعمارهم، ويمكن أن تلقن دروسها داخل كل المرافق والقطاعات العمومية والخاصة، ونحن في حاجة إلى التعليم الذي افتقدناه وسط زحمة الكتب والبرامج ورؤى المنظرين القصيرة.
تم إقرار هذه المناسبة من طرف الأمم المتحدة، يوم الخامس من شهر أكتوبر 1994، إحياء لذكرى توقيع توصية اليونيسكو ومنظمة العمل الدولية لعام 1966، والتي تعنى بأوضاع المدرسين، وتضع هذه التوصية مؤشرات مرجعية تتعلق بحقوق ومسؤوليات المدرسين، كما جاءت بعدها توصية اليونيسكو بخصوص أوضاع أساتذة التعليم العالي، والتي اعتمدت بدورها سنة 1997. اختارت له المنظمة كشعار لسنة 2021: “المدرسون في قلب إنعاش التعليم”، وككل سنة، ينتظر المحتفى بهم مبادرات الإنصاف والتقدير من طرف الحكومة والمجتمع، كما ينتظرون بدون جدوى، تجاوبا وتفاعلا إيجابيا محفزا.. الكل يتساءل سنويا: بماذا ستهاديهم الحكومة؟ وما طبيعة المكافآت التي ستخصص لهذه الفئة التي كادت أن تبلغ مقام الرسل والأنبياء؟ ولماذا تكتفي الوزارة الوصية بإصدار مذكرة وزارية سنوية روتينية، ورسالة تهنئة منسوخة وممسوخة تداري بها عما ترتكبه من حماقات وتجاوزات في حقهم طيلة السنة الدراسية؟ أسئلة كثيرة ومتنوعة يطرحها رواد قطاع التربية والتعليم، لكنها تبقى عالقة بدون رد.
تحل الذكرى، وأثار الجراح العميقة لازالت لم تندمل.. جراح الآلاف من المدرسين الذين أرغموا على الشغل بالتعاقد بعيدا عن الوظيفة العمومية، وجراح مجموعة من الفئات المقصية من الإدماج والترقي، وجراح العبث والاستخفاف التي يتجرعها مجموعة من الأطر التربوية بسبب قرارات الوزارة الوصية أو أكاديميات التربية والتكوين، أو المديرية الإقليمية أو حتى رؤساء ومديري المؤسسات التعليمية، أو بسبب بنيات المؤسسات وضعف أو غياب التجهيزات، بل هناك من أساتذة الابتدائي من يرغم على تدريس عدة مستويات داخل فصل واحد، وهناك من يرغم على تدريس مادة لا تدخل في تخصصه، زد عليها ما يمارس على المضربين والمحتجين المطالبين بإنصافهم، حيث يتعرضون للتوبيخ وتتعرض رواتبهم الشهرية للاقتطاعات.
بالمغرب.. لا أحد من أعضاء الحكومات التي تعاقبت على تدبير شؤون البلاد، فكر في إنصاف التلميذ والمدرس والأطر التربوية، بل إنهم أتوا على الضوء الخافت وبصيص الأمل الذي كانت تتشبث به الأسر المغربية طمعا في مستقبل راق لأطفالها.
تستمر أساليب استهداف الأستاذ والتقليل والتنقيص من شخصيته وقيمة مهنته النبيلة، بل بلغت حد ضربه في شرفه وجيبه وتقاعده، فرغم أن صندوق المقاصة ظل يقتطع من أجور المدرسين وكافة الموظفين بانتظام، ورغم أن لصوص الصندوق الذي أفرغوه وتسببوا في الأزمة المالية هم من داخل الحكومة، إلا أن هذه الفئة ومعها باقي الموظفين البسطاء، كتب عليهم تحمل فراغ الصندوق، كما يستمر مسلسل استهداف الأسر بتشتيت تفكيرهم وجعلهم ينشغلون عن أطفالهم، وزرع التفرقة بين الآباء والمدرسين والأطر الإدارية والتربوية، وترسيخ عدم الثقة بين الثلاثي (الأسرة، المدرس، الإدارة)، المفروض أنه الضامن لصحة وسلامة العملية التعليمية، ليتسبب ذلك في إحباط التلاميذ وسخط بعض المدرسيين.. محاولات ضرب قطاع التربية، باعتماد التعاقد في التشغيل، والتخلي عن مراكز التكوين المقننة، والخاضعة لبرامج ومناهج دقيقة، وإخضاع المتعاقدين لتكوينات قصيرة وعشوائية، والنموذج الحالي الهادف إلى “فرنسة” المواد العلمية، وفرض التدريس باعتماد أطر معربة، حيث تفتقت عبقرية مسؤولي الوزارة وربان زورقها المطاطي أمزازي، إلى فرض اختبار هؤلاء من أجل لغة أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد صالحة حتى للحكي والغزل.. وهي أمور تؤكد أننا ماضون في إغراق القطاع ورواده.
ذكرى أو عيد المدرس الذي تبنته الوزارة احتراما للالتزامات الدولية، أقرته إلى جانب باقي الأعياد والأيام الوطنية والعالمية (عيد المدرسة، اليوم الوطني للآباء وأولياء أمور التلاميذ…)، تحرص على إصدار المذكرات المطالبة بالاحتفاء بهذه المناسبات وتحرير رسالة التهنئة ولا توفر الإمكانيات المادية واللوجيستيكية اللازمة، وتكتفي بالتنصيص على الاحتفاء بها وفق برامج وأنشطة يصعب تطبيقها، بسبب الاكتظاظ وكثرة ساعات العمل وانعدام قاعات للأنشطة، بل حتى للدعم المدرسي.
فهل يدرك هؤلاء.. قادة التربية والتعليم، أنهم رسبوا في القيادة، وعليهم التنحي والاعتذار، وأن قطاع التربية والتكوين الذي سطره ملك البلاد في مرتبة الوصيف بعد الوحدة الترابية، لم يحظ بقادة في مستوى الريادة؟ وهل يعلمون أنهم وضعوا التعليم بالمغرب في متاهة التسيير والتدبير.. وأفقدوا الأساتذة بوصلة التدريس والتكوين؟ كما أفقدوا التلاميذ شهية التربية والتعليم، فكم بلد كد واجتهد ونال تعليما وفق ما اشتهاه، وكم بلد لا زال يبحث عن مسار صحيح يمكنه من مبتغاه، وكل عام وعيد أساتذتنا سعيد بلا سعد.