المنبر الحر

المنبر الحر | حضور الأحزاب وغياب السياسة

بقلم: الحموتي محمد

 

    رغم حداثة الظاهرة الحزبية في المغرب إلا أنه لا يمكننا أن نتجاهل الدور المهم والفاعل في تعزيز النهج الديمقراطي في بدايات الاستقلال، وقد كانت الفترة مضيئة رغم ما عرفته بعد ذلك من نكسات وتراجعات، ولا يشك أحد في أن المهمة الأساسية للأحزاب هي ممارسة السياسة، بمعنى كل ما يرتبط بالسلطة، والأحزاب هي مجرد تجمعات لممتهني السياسة، وهي ككل فاعل جماعي في الحياة العامة، وكان العرض من نشأة الأحزاب للنهوض بالديمقراطية واحترام الاختلاف الفكري والسياسي في إطار تقديم الحلول للقضايا التي تهم المواطن والمجتمع والرقي بالسياسة كفعل نبيل بعيدا عن فعل “البلطجة” والهمجية والعنف السياسي.

ولقد كان حكماء الإغريق، كسقراط وأفلاطون وأرسطو، يعيبون على السوفسطائيين الإساءة إلى العمل السياسي، بإثارتهم لمشاعر الرعاع أو العامة، بغرض تحقيق مآرب ضيقة تسيئ إلى الدولة المدنية.. والسؤال الذي دائما أطرحه: هل الأحزاب المغربية تمارس السياسة ؟

قد يبدو الأمر غريبا.. ولكن اسمحوا لي أن أوضح هذه الفكرة من خلال الأحداث التي شهدها المغرب منذ الحراك وبعد تأسيس الدستور الجديد، الذي اعتبره العديد متقدما بالمقارنة مع الدساتير السابقة.

اعتقد العديد من المهتمين بالشأن السياسي والحزبي في المغرب، أن الأوضاع ستتغير إلى الأفضل على مستوى الممارسة السياسية للأحزاب، لأن الظروف الحالية غير الظروف السابقة، والدستور الجديد لسنة 2011، كان أكثر وضوحا بخصوص مؤسسة الأحزاب ودورها الدستوري الذي يتجلى في تأهيل وتأطير المجتمع ليتمرس على العمل السياسي للنهوض بالديمقراطية، غير أن المعادلة جاءت بنتيجة عكسية: الحراك زائد دستور جديد زائد ظروف مساعدة على العمل الحزبي، لم تكن النتيجة هي الارتقاء بالعمل السياسي والحزبي في المغرب.

الذي حدث هو التراجع عن المكتسبات وغياب لأي دور سياسي عند معظم الأحزاب المغربية، فبدل النهوض بالثقافة السياسية الراقية، برزت إلى الوجود الثقافة الشعبوية التي يقودها قادة يفتقرون إلى خصائص القائد السياسي المثقف المسؤول وصاحب كاريزما.  

وصدقا أيها السادة، لم تعد الأحزاب مؤسسات لتكوين قادة المستقبل يؤمنون بلغة البرامج السياسية والاجتماعية عبر نهج سياسة الإقناع الديمقراطي بعيدا عن “البلطجة” والشعبوية الخادعة، بل أضحت الأحزاب أشبه بالشركات التجارية فارغة المحتوى، فلم نعد نسمع عن الأفكار السياسية، والساعون إليها أغلبهم يعانون من الأمية وقلة الخبرة لتسيير مؤسسات الدولة، وذلك راجع إلى أن الأحزاب لم يعد يهمها إلا المقاعد ولو على حساب مصالح المجتمع، ما علينا إلا متابعة الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب، إذ يظهر كل شيء إلا السياسة ولغة الإقناع تقوم على أساس المال الحرام والقبيلة وتبادل المصالح والولائم… وبعدها يطرح التساؤل: لماذا يحدث العزوف السياسي وغياب المشاركة الكثيفة في التصويت؟ الجواب في الواقع السياسي وغياب قوانين تمنع هذه الفئة المسيئة للسياسة من المشاركة، ولو اقتضى الأمر وضع شروط للانخراط في تسيير مؤسسات الدولة بما فيها الجماعات الترابية، وهذا ليس ضد المادة التي نص عليها الدستور والتي تؤكد على المساواة، بل هي المصلحة العامة التي تقتضيها كشرط التعليم العالي والانخراط المبكر في الأحزاب..

ولا يختلف الأمر هنا كثيرا عن الشروط التي تضعها الدولة لولوج كلية الطب أو المحاماة أو القضاء.. فلا يمكن الحديث عن مهنة المحاماة دون أن يكون المترشح ملما بشؤون القانون، وهذا كمثال فما بالك بتسيير الشؤون العامة للمواطنين، فكثرة الضجيج والصخب لا تجعل من المرشح للعمل السياسي كفؤا للعمل الحزبي.

الأحزاب تحتاج إلى كفاءات تستطيع من خلالها البحث عن حلول تهم الحياة اليومية للمواطن، والأحزاب تتحمل جزء من المسؤولية عن فتح المجال الحزبي والسياسي للغوغاء والانتهازية دون قيد أو شرط، وعدم منح الفرصة للشباب أصحاب الكفاءات لإبراز قدراتهم في المجال السياسي، وذلك عائد إلى أن زعماء الأحزاب يتعاملون مع الحزب كضيعة خاصة بهم لا يزاحمهم فيها أحد.. الزعيم يترشح مع زوجته وأبنائه وأحفاده، ويغلق المجال أمام الكفاءات الشابة الطموحة لخدمة البلاد.

العزوف السياسي وغياب المشاركة أسباب يعلمها الجميع، غير أن الحلول تبقى عصية، فالنخبة السياسية عندما تكون ضعيفة، يسهل اقتيادها ويتم تمرير التشريع بسلاسة ودون نقاش أو معارضة، إلى حد أنه في حالة البرلمان الغربي لا يمكننا التمييز بين أحزاب المعارضة والأغلبية، حتى في الحملات الانتخابية، لا تلاحظ أحزاب في السلطة تنتقد حصيلة الحكومة، وهذا استخفاف بذكاء المواطن.

السياسة أيها السادة فن نبيل الغرض منه إدارة المجتمع، وهذا النبل يحتاج إلى قادة فضلاء لممارسة السلطة، والحزب مؤسسة دستورية من خلالها يسعى الساسة إلى الوصول لممارسة السلطة بطرق شرعية وديمقراطية وإلا فعن أي ديمقراطية نتحدث إذا فسد الساسة وتراجع دور الأحزاب، والنتيجة يعلمها الجميع من خلال واقعنا المعاش: غياب للأفكار السياسية، غياب للبرامج، وغياب للإحساس بالمسؤولية، حتى الميكيافيلية البراغماتية غائبة عن الأحزاب، وهذا ما يجعلنا نعتقد أن معظم الأحزاب مجرد ديكورات لتزيين ركن من أركان المنزل، تبقى جامدة طوال السنة ولا يحركها إلا حلول موعد الانتخابات وكأن هذه الأخيرة مهرجان لممارسة السياسة، بمعنى أدق، أن الأحزاب لا تمارس دورها الأساسي الذي هو ممارسة السياسة إلا مع حلول مهرجان الانتخابات، وفي باقي شهور السنة، سبات الدب في جحره، ومع ذلك، يبقى بريق الآمال في الأجيال القادمة في تغيير واقع السياسة والأحزاب رغم أن في التمني شقاء كما قال الشاعر إيليا أبو ماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى