تحليلات أسبوعية

بين السطور | حكومة المحظوظين في بلد “المزلوطين”

بقلم: الطيب العلوي

    يوم الجمعة 22 دجنبر 1989، صدر على صفحات “الأسبوع الصحفي”، وبالضبط في ركن “الحقيقة الضائعة”، مقال لمؤسس جريدتنا، المرحوم مصطفى العلوي، تحت عنوان: “حزب المحظوظين وحزب المزلوطين”، يقول فيه: ((… المغرب في حاجة إلى إضافة حزبين اثنين إلى اللائحة الطويلة… يكون زعيم الحزب الأول، شابا أنيقا.. حريري اللباس مثقل الجيوب، لا يستعمل من القواميس إلا عبارات التفاؤل، ولا من منطق الشعب إلا كلمة “الأمة بخير”.. وعندما يعقد مؤتمره الوطني، تمتلئ بوابة مقر المؤتمر بالمرسيديسات السوداء وقد اصطف على جنباتها سواقها بقبعاتهم، وقد وضعوا شارة الحزب على صدورهم، وفي داخل القاعة، لا ترى إلا خليطا من الشخصيات، وزراء ورؤساء ومديرين ومستشارين وأرباب المصانع والفنادق الفخمة.. ويكون برنامج المؤتمر سردا للإنجازات، ومقررات المؤتمر تذكيرا بتلك الإنجازات)).

أما الحزب الثاني، حزب “المزلوطين”، فسيكون، وسيبقى كل زعيم فيه(…) كما وصفه مولاي مصطفى العلوي رحمه الله في نفس الركن المذكور: ((ضعيفا نحيفا من سوء التغذية، خريجا بدكتوراه حصل عليها باستحقاق، فكر في بيعها فوجد هناك كثيرا ممن سبقوه لبيع دبلومات أكبر منها، تزعم الحزب الجديد صدفة في تجمع للعاطلين، عقدوه على موائد واحدة من المقاهي المعدودة بالآلاف، وحدت بينهم المآسي، وشحذتهم الحاجة، وعلمتهم المعاناة أن الصمت ليس بحكمة، وأن السكوت نوع من الأزبال، وليس من ذهب كما تقول المثل العليا)).

نفهم من هذا، أن الحزب الثاني الذي توقعه المرحوم العلوي، ما يكون إلا حزب الشعب في حد ذاته، ويتكون مكتبه حسب قوله: ((من كل شخص من هؤلاء الذين نراهم على الأرصفة ورائحة الحاجة والخصاص تفوح من أطرافهم على بعد عشرات الأمتار، وغمامة اليأس والضنى تهيمن على أبصارهم وقلوبهم، فترتسم ملامح مكدرة على وجوه لم تعرف الابتسامة منذ سنوات الصبا، حيث كانوا أطفالا)).

بعد 32 سنة من سرد كلمات القيدوم، وبعد يوم وليلة من التنديدات الانتخابية، بما سمي بـ”الخروقات الخطيرة”، المتجلية على حد قول من رسب(…)، في استمرار التوزيع الفاحش للأموال في محيط عدد من مراكز التصويت.. وفي الانتظار الطويل(…) لتدخل السلطات المعنية، حفاظا على سلامة الانتخابات ونزاهتها، انتظار لن تزيد تهنئة الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب على نجاح الانتخابات، إلا من طوله، استيقظ المغرب إذن، صباح يوم الخميس، وهو يخط صفحة جديدة من تاريخه المعاصر، بعد أن قلب ورقة “الإسلاميين” لصالح تجربة جديدة، ليبيرالية، قائدها حزب اسمه النموذجي “التجمع الوطني للأحرار”، وسيكون لقبه العميق إذن(…): حزب “المحظوظين”، والذي سيشكل حسب الدستور، حكومة سيتكاثر فيها “المال والبنون”.. اللهم بارك.

حزب “المحظوظين” عرفنا من هو اليوم، ومن زعيمه، وكذلك حزب “المزلوطين”، عرفنا من سيكون زعيمه أيضا، وسيم كذلك.. واسمه “الصبر الجميل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى