المنبر الحر | الحكومة المغربية لم تف بالمعايير الدنيا للقضاء على ظاهرة الاتجار في البشر
بقلم: د. عبد الرحيم بن سلامة
أستاذ باحث
خصصت الأمم المتحدة الثلاثين يوليوز من كل عام يوما عالميا لمناهضة الاتجار بالأشخاص والتوعية بمخاطر هذه الجريمة، والتحذير من الوقوع في شراكها.
إن ظاهرة الاتجار بالبشر أضحت اليوم جريمة دولية منظمة عابرة للحدود، وتمثل نمطا مستحدثا من أشكال العبودية التي عملت البشرية على التخلص من صورها بعد تاريخ مرير وانتظار طويل، لتعود حديثا بصور مختلفة تعكس المستوى المؤلم لامتهان كرامة الإنسان وآدميته، وتحويله إلى بضاعة رخيصة وروح مهينة من قبل عصابات محلية وعالمية مجرمة، لا تراعي دينا ولا ذمة، تدفع بضحاياها إلى أتون القهر والاستعباد ومراتع الاستبداد، وأحيانا إلى عالم المجهول.
إن التقارير الدولية الحديثة تشير إلى تزايد أعداد ضحايا هذه الجريمة بنسب مهولة تفوق التوقع والوصف، مع تعدد أشكالها وتنوع مظاهرها، وصولا إلى الاتجار بالأعضاء البشرية حتى لو أدى ذلك إلى نقص الإنسان أو تلفه، مما حدا بالأمم المتحدة إلى اعتبارها جريمة تهدد استقرار العالم، بعد جريمتي المخدرات والسلاح.
إن الواقع المؤلم لظاهرة الاتجار بالبشر، يستدعي منا جميعا، ونحن ننشد عالم السلام والوئام والتعايش، استنفار الجهود الدولية، والتنسيق بين الجهات العلمية والفكرية، لتباحث أبعاد هذه الجريمة وأثارها ومسبباتها، والإحاطة بمحدداتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية والإيديولوجية، وذلك بطرح الحلول والبدائل والآليات الكفيلة بالتصدي لهذه الظاهرة الإجرامية الخطيرة، ومحاصرتها وحسمها من جذورها، والقيام بسن تشريعات وقوانين ذات كفاءة رادعة ولازمة لمحاربة كافة أشكالها والتقليل من أثارها المدمرة على الإنسانية جمعاء.
فالعالم اليوم، بدوله ومنظماته وهيئاته المتخصصة، إنما يسعى جاهدا لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، باعتبارها وصمة عار شنيعة على جبين الإنسانية جمعاء، جريمة مستهجنة تحط من كرامة الإنسان وتزيد من معاناته، لا سيما إذا تعلق الأمر باللاجئين والمستضعفين الذين شرذمتهم ويلات الحروب وتداعيات الكوارث الطبيعية من بلدانهم، ليقعوا في براثن المجرمين بمختلف أشكالهم وأنواعهم.
لقد آن الأوان لتطبيق المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان في هذا الصدد بجدية وصرامة دون تمييز أو محاباة أو تراخ، والعمل على تفعيل الاتفاقيات والبروتوكولات الصادرة بهذا الشأن.
من أبرز البروتوكولات والاتفاقيات: بروتوكول الأمم المتحدة (باليرمو سنة 2000)، لمنع وقمع ومعاقبة جريمة الاتجار بالبشر، واتفاقية مجلس أوروبا للعمل على مكافحة الاتجار بالبشر سنة 2005، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة لعام 2009 م، وخطة العمل لمحاربة الاتجار بالبشر تحت مظلة الأمم المتحدة لسنة 2010.
وتجدر الإشارة إلى الملاحظة الأولى والرئيسية في التقرير الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية حول الاتجار في البشر لسنة 2021، كون التقرير وضع خريطة المغرب كاملة وغير منقوصة، وهو تأكيد واضح على إيمان الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، رغم أن هذا التقرير أكد أن الحكومة المغربية لا تفي بالحد الأدنى فيما يتعلق بمعايير القضاء على جريمة الاتجار بالبشر، ولكنها أولت للقضية أهمية قصوى من خلال الجهود التي قامت بها في هذه القضية.
وأكد تقرير الخارجية الأمريكية، أن جهود الحكومة المغربية مقارنة بالفترة المشمولة بالتقرير السابق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جائحة فيروس “كوفيد 19” لم تكن لها تلك النتائج المنتظرة، لذلك بقي المغرب في المستوى الثاني، حيث وضع التقرير الدول التي شملها التصنيف في أربع مستويات، وشملت جهود الحكومة في تحديد وإحالة 441 من ضحايا الاتجار بالبشر على مؤسسات الرعاية، وتأسيس وحدات الدعم في كل فرع من فروع مديرية الأمن الوطني لمساعدة الإناث ضحايا الجرائم الشنيعة، بما في ذلك الاتجار في البشر.
وذكر التقرير ذاته، أنه تمت إدانة اثنين من حفظة السلام المغاربة بتهمة الاستغلال الجنسي، وأشار التقرير إلى تنفيذ مبادرة 2019 لمكافحة التسول القسري للأطفال، وإطلاق بوابة على الأنترنيت، توضح بالتفصيل الموارد المتاحة لضحايا الاتجار بالبشر لتقديم مزاعم الاتجار.
ومع ذلك، فإن الحكومة المغربية لم تف بالمعايير الدنيا في عدة مجالات رئيسية، وتقلصت التحقيقات والملاحقات والإدانات من أجل محاصرة وتقليص عدد حالات الاتجار بالبشر، وأبلغت الحكومة المغربية عن التحقيق في 79 قضية اتجار مزعومة تشمل 138 حالة، وتمت مقاضاة 69 حالة في سنة 2020، ولم تفرق السلطات المغربية بين الاتجار في البشر والجرائم الأخرى مثل تهريب المهاجرين.
ومن التوصيات ذات الأولوية التي أوصى بها التقرير، اعتماد وتنفيذ عدة إجراءات بشكل منهجي واستباقي، لتحديد ضحايا الاتجار في البشر، وخاصة بين المهاجرين غير الشرعيين، كما دعا التقرير إلى إنشاء آلية لإحالة الضحايا وتدريب السلطات القضائية، واستخدام قانون مكافحة الاتجار في البشر، والحكم على الجناة بالإدانة بفترات سجنية طويلة الأمد تتلاءم والأفعال التي ارتكبوها.
كما طالب التقرير بالتكوين والتكوين المستمر لفائدة المسؤولين القضائيين ومفتشي الشغل، والحد من استغلال الأطفال واستفادتهم من الرعاية الصحية.
ووفق هذه المعطيات التي جاء بها هذا التقرير، فقد تم إنزال ست دول، وهي قبرص وإسرائيل ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسويسرا، من الفئة الأولى التي تلتزم حكومتها بالحد الأدنى، لكنها تبذل جهودا لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر، كما تم خفض دول من بينها غينيا بيساو وماليزيا إلى الفئة الثالثة، التي لا تلتزم بالمعايير القانونية المطلوبة.
أما أسوء فئة بالنسبة لقانون محاربة الاتجار بالبشر، فقد ضمت عدة دول: من بينها سوريا والجزائر، إلى جانب أفغانستان والصين وجزر القمر وكوريا وإرتيريا وإيران وبورما ونيكاراغوا وكوريا الشمالية وروسيا وجنوب السودان وتركمنستان وفنزويلا.