المنبر الحر

المنبر الحر | الإهمال آفة الحدائق

بقلم: عثمان محمود

 

    بات للحدائق تواجد فعلي أكيد في تصاميم الأحياء، والإقامات، والمؤسسات، والإدارات، وقد يعزى ذلك إلى الحس البيئي الذي لا تزيده الأيام إلا انتشارا بين أفراد المجتمع، بعد الوقوف على أخطار الإساءة إلى البيئة بمختلف مكوناتها. وفي ارتباط مع ذلك، يأتي الحس الجمالي، إذ لا يكتمل بهاء عمارات هذه الإقامة أو تلك إلا إذا توسطتها حديقة غناء، وزينت أرصفة ساحاتها أشجار ذات ظلال واسعة، ولا ينبغي إغفال أمر التطور المتسارع الذي تشهده المشاتل التي نوعت الشتلات، وسهلت أمر الحصول عليها، فلم يعد صعبا استنباتها داخل الحدائق على مدار فصول السنة، وبأشكال مختلفة، إلا أن اللافت للنظر، هو أن العديد من الحدائق ينطلق بشكل جيد، فيأتيها الزوار على الدوام، ويقصدها طلاب الراحة والاستجمام زرافات ووحدانا، ومع مرور الأيام، تشرع يد الإهمال في العبث بمرافقها وبمغروساتها رويدا رويدا، لتتحول على إثر ذلك إلى أماكن مهجورة، تشعر المار بها، بالوحشة والخوف، وقد دب الذبول إلى أغراسها، والإتلاف إلى ممراتها وساحاتها وكراسيها.. والحقيقة، أن ذاك الإهمال في الغالب يولد مع إنشاء هاتيك الحدائق، فالانتقاء غير المدروس للمغروسات يؤول بالكثير من الحدائق إلى سوء العاقبة.. فكيف مثلا لأشجار ذات جذور متفرعة وعميقة أن تسمح للأزهار القريبة منها أن تنمو وتتفتح؟ وكيف لنباتات في حاجة ماسة إلى الظل أن تغرس في مكان يستقبل أشعة الشمس الحارقة كذا ساعة في اليوم؟ أضف إلى هذا، فإن الكثير من الحدائق تقام على مساحات لا يستهان بها، وتغرس فيها أصناف من الأشجار والأزهار، غير أنها تسقى بواسطة الشاحنات ذات الصهاريج، وربما كان الماء المستعمل لهذه الغاية معالجا بالمواد التي تجعل منه ماء صالحا للشرب!! فكيف يمكن لأغراس تسقى بهذا الشكل أن تنمو وتحافظ على رونقها وجمالها؟ فأساليب السقي تطورت، وشروطه توفرت، وفي غيابهما لا حديث عن اهتمام مسؤول بالغطاء النباتي داخل الحدائق، وأحيانا يكون للتصميم العام للحديقة ككل، نصيب وافر في الإساءة إليها مع مرور الأيام، فالحديقة التي تزين مستشفى معينا، إذا قلت داخلها الكراسي طلبا للراحة، فلا يلام الزوار المرضى أو من يرافقهم، إذا تمددوا بلا إحساس بالذنب، على العشب، وفي غضون أيام، سيتلاشى ولو سقي على الدوام؟ والحديقة التي تتوسط ساحة مدرسة، إذا قلت فيها الممرات وأماكن اللعب، سيدوس الأطفال الذين من طبعهم الحركة في هذه السن، على الأعشاب الخضراء، بلا شفقة ولا رحمة.. ولا ننسى هنا عامل الإشراف على الحدائق، ومسؤوليته المباشرة في النزول بها إلى ما لا تحمد عقباه في نهاية المطاف، فعندما نكلف شخصا واحدا بحراسة الحديقة وسقي أغراسها والتعهد بها طيلة اليوم، فإننا نتوقع – بلا شك – أن يكون قيامه بتلك المهام كلها في أدنى المستويات، وعندما تقام الحديقة على مساحة كبيرة دون سياج يحميها، وأبواب يعلن إغلاقها عن نهاية الدخول إليها، لا نستغرب أبدا أن تصير ملاذا للمتسكع والمتشرد، ولم لا الضال من الكلاب!

تتمة المقال بعد الإعلان

الحدائق زينة المدن ومرافقها، وقد صارت هندستها علما وفنا، يلتقي فيها ما هو معماري بما هو جمالي وبيئي وصحي.. فليأخذ كل جانب من تلك الجوانب حقه أثناء التفكير في إنشائها، وليتم إعداد كل السبل الناجعة لتعهدها والسهر عليها، وليكلف من يمتلك المؤهلات لحراستها ورعايتها على أحسن الأوجه، حتى تبقى خضراء مزهرة وذات بهجة، يؤمها روادها باستمرار، دون أن يطال الإهمال ما تحتويه من مرافق وأغراس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى