تحليلات أسبوعية

بين السطور | حتى لا نخضع.. لقانون الضفدع

بقلم: الطيب العلوي

    تجربة الضفدع المغلي، هي رواية للكاتب والفيلسوف الفرنسي “أوليفييه كليرك”، تحكي قصة شائعة، لتجربة وضع ضفدع في ماء مغلّى، وعندما يكون الأمر بشكل مفاجئ، يقفز الضفدع وينقذ نفسه، بينما إذا وُضِع في ماء معتدل الحرارة، ثم يتم تسخينه ببطء، فإن الضفدع لا يدرك الخطر(…)، وبالتالي، لا يقفز، بل يبقى في الماء حتى بعدما يصير حارّاً، فيموت(…)، هذا لأنه، وبكل بساطة، لم يكن يعرف أن الوقت قد حان، ولا يحاول الهرب لمّا تبلغ درجة حرارة الماء قدراً مميتاً، للقفز والنجاة بالحياة.

وبعد رواية “كليرك”، أُجريت في القرن التاسع عشر تجارب علمية عديدة، لرصد رد فعل الضفادع تُجاه الماء المُسخّن ببطء، منها من نفتْ ومنها من أكدت الحكاية، ليتضح فيما بعد، أن تناقض الاستنتاجات ناتج عن معدّلات التسخين المختلفة المستخدمة في التجارب، لتتحول الرواية مع مرور السنين، إلى نظرية راسخة في التعابير المجازية(…)، جوهرها التزام الحذر من التغييرات التدريجية السلبية، لاجتناب كل خسارة مفجعة، بعد فوات الأوان.

وفي سياق آخر، بعيد كل البعد عن زمان الفرنسي “كليرك”، وعن الضفادع.. ففي المغرب، وفي زمان “كوفيد 19″، (والله وحده يعلم ما إذا كان يصح أن نسميه بـ”زمن ما بعد كورونا”)، فاجأ المغرب الجميع هذا الأسبوع، بإشراف ملكي، يرمي إلى تمكين البلد من التوفر على قدرات صناعية وبيوتكنولوجية شاملة ومندمجة، لتحقيق “السيادة اللقاحية”، انطلاقا من توقيع اتفاقيات مشروع تصنيع اللقاح المضاد لفيروس “كوفيد19″، ولقاحات أخرى بالمغرب.

لقاح ضد “كورونا”، “تَبَارَك الله، واللهم يسّر”.. ليبقى لحديث هذا الأسبوع سؤال واحد مفتوح، ألا وهو ذاك الهادف لمعرفة ما يُقصَد بمصطلح “اللقاحات الأخرى”؟ بمعنى: هل هناك أمراض أخرى في طور البحث عن لقاحات لها، وليس لنا بها علم ؟

بالتأكيد، وعلى ما يبدو، فالتجارب السريرية سرعان ما بدأت نتائجها تظهر حتى قبل تصنيع هذه اللقاحات الأخرى التي ليست لنا بها دراية، لكن الذي يتضح من المفعول(…)، هو كون الأمراض المُستهدَفة تتجلى في محاربة الكلام الفارغ(…)، بإبعاد بعض الوزراء عن الأنظار، لما بدأت أرقامهم المصرح بها، تتنافى مع المعطيات الحقيقية(…)، الكل مع حدوث طفرات غير مفهومة(…)، كعودة الباكوري لأضواء القنوات العمومية، ولو لبعض الثواني(…)، بعدما ظن الكثير أنه سيختفي للأبد..

تجارب “اللقاحات الأخرى” الجديدة، أو على الأقل لمحاربة الكلام الفارغ، لم تؤثر على أصحاب الدوائر العليا فحسب، وإنما ساهم فيها أيضا “أولاد الشعب”، ويبقى خير مثال، التحقيق الذي تم فتحه هذا الأسبوع، حول الشريط الصوتي الذي انتشر بسرعة فاقت سرعة انتشار المرض المعدي(…)، وأثار الرعب في نفوس المواطنين، وانتهى باستدعاء صاحبه في أقل من 24 ساعة، والاستماع إليه من طرف مصالح الدرك الملكي، بشأن ما جاء في المقطع من معطيات، ومن ذكر لأسماء مسؤولين عسكريين كبار، ليؤكد هذا الأخ “المِهرنِط” في آخر المطاف، أنه كان يريد فقط تخويف المواطنين الذين لم يعودوا مكترثين للتدابير الاحترازية.

وإذا كان أول “اللقاحات الأخرى” قد حارب “اللسان الطويل”، فأمل الجميع في لقاح ثان لمحاربة “اليد الطويلة”، التي استعادت قوتها، لما بدأت تدخلات “باك صاحبي” في الأيام الأخيرة، لازمة لتسريع كل خطوة.. ولقاح ثالث لمحاربة مرض الرشوة التي لم تعد تنفع في تسهيل كل إجراء فحسب، كما كان الحال من قبل، بل بدأت تنفع أيضا في نيل الاحترام والتقدير، وخير مثال على ذلك، لا داعي للبحث عنه في المغرب العميق، وإنما إطلالة بسيطة في شارع محمد السادس بالرباط، على بعد أمتار من القصر الملكي، ستجعلكم تتمتعون بعرض لرجال الأمن الذين يطقطقون التحية العسكرية، المثبتة والمنضبطة(…) لشبان سائقي السيارات الرباعية الدفع، في مقتبل العمر، ذوي ملامح خليجية، والدليل اللازم لفك اللغز، سيكون أمام أعينكم، لما ستُتاح لكم الفرصة لمشاهدة نوع المقابلة التي تجمع هؤلاء الشبان مع رجال الأمن، عبر نافذة السيارة، خلال الثواني الوجيزة التي يستلزمها الضوء الأحمر(…).

بالفعل، وبغض النظر عن لقاح “كورونا”، فالمغرب محتاج للقاحات عديدة أخرى… حتى لا نخضع.. لقانون الضفدع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى