المنبر الحر

المنبر الحر | سؤال الاختبارات الشفوية لنيل شهادة البكالوريا

بقلم: محسن زردان

كاتب ومهتم بشؤون المعرفة

    شهادة الباكالوريا، غاية تسعى كل النظم التعليمية لإعلاء قيمتها وتجويد مخرجاتها، فهي ثمرة لمجهودات كل الفاعلين التربويين، ومحصلة مسار لسنوات ممتدة من الجد والكد للمتعلمين والمتعلمات، باعتبارها إحدى المفاتيح المهمة التي تفتح لهم آفاق المستقبل في ميادين الدراسة والشغل.

تتمة المقال تحت الإعلان

يبدو أن التطور الذي تعرفه المجتمعات الإنسانية، أفضى إلى التفكير في إدخال تعديلات جديدة على مناهج التعليم، تتماشى مع روح العصر والتحديات الجديدة في مختلف المجالات، وفي خضم الاهتمام المتزايد بالبنية الشخصية للفرد، وسبل تعزيز كفاءاتها لمواجهة مصاعب ومشاق الحياة، انخرطت بعض النظم التعليمية في إدخال الاختبارات الشفوية لمتعلميها في المرحلة النهائية لنيل شهادة البكالوريا.

فرنسا، النموذج الذي لطالما استلهمنا نظمه التعليمية، بادرت إلى إدخال الاختبارات الشفوية لمتعلمات ومتعلمي سلك البكالوريا، في سعيها إلى تجاوز النقائص التي كانت تعتري نظامها التعليمي، للحاق بركب الدول المتقدمة في المجال التعليمي، والتي تحقق مراتب متميزة في التصنيفات الدولية للنظم التعليمية.

أجل، لقد آن الأوان لتحقيق نوع من التوازن بين المناهج التعليمية القديمة التي تعرف هيمنة للأنماط التقليدية التي لا تتيح للمتعلم مساحة كافية للتعبير والنقاش، وإبداء آرائه داخل الفصول الدراسية، حيث يصبح في كثير من الأحيان مجرد متلقي للمعلومات عوض أن يكون متفاعلا معها، وبين المناهج التعليمية الحديثة، التي تسعى لتعزيز ملكات التعبير والإقناع والحجاج في شخصية المتعلمات والمتعلمين.

تتمة المقال تحت الإعلان

هذه الاختبارات الشفوية للمرحلة النهائية لنيل شهادة البكالوريا التي أقرتها فرنسا خلال هذا الموسم الدراسي، يمتد حيزها الزمني لقرابة العشرين  دقيقة بالنسبة لكل متعلمة ومتعلم، تتم على ثلاثة مراحل: في المرحلة الأولى، يقدم المترشح عرضا في وضعية وقوف أمام اللجنة يتضمن الإجابة عن سؤالين مهيأين ومعدين مسبقا لهما علاقة بتخصص الممتحنين، أما بخصوص المرحلة الثانية، فستقوم اللجنة بطرح أسئلة على ضوء العرض المقدم، وفيما يخص المرحلة الثالثة والأخيرة، ستناقش اللجنة مع المرشح مواضيع لها علاقة بصلب تخصصه  وبآفاقه المستقبلية، إذ ستمثل الاختبارات الشفوية نسبة عشرة في المائة من مجموع النقط المحصل عليها في البكالوريا، وهي نسبة قد ترتفع مستقبلا في حالة ما إذا أعطت هذه التجربة أكلها وحققت الأهداف المرجوة منها.

هذه الأهداف، تسير في اتجاه دعم قدرات المتعلمات والمتعلمين على التعبير عن معارفهم ومداركهم بشكل علمي ومنهجي، لإنتاج خطاب منظم أكثر إقناعا، يشمل الإلمام بأساليب الحوار والتفكير النقدي للمعارف المكتسبة.

هذه المبادرة التعليمية، يمكن أن تفتح نقاشا حول الإشكالية المتعلقة بمستوى التعبير الشفوي لدى متعلمات ومتعلمي النظام التعليمي المغربي، حيث هناك ضعف ملحوظ ينعكس حتى على مكونات المجتمع في شموليته، تبدأ بالفضاء الإعلامي، مرورا عبر المجال الثقافي، وصولا إلى عالم السياسة.

تتمة المقال تحت الإعلان

المتأمل للوضع التعليمي في بلادنا، يرى أن هناك نوعا من المفارقة بين المناهج التعليمية المقررة، التي تسطر مجموعة من البرامج الدراسية في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية لمكونات التعبير الشفوي، غير أنها لا تتوج باختبار نهائي لتقويم مخرجاتها في المراحل النهائية لنيل شهادة البكالوريا.

هذه المفارقة تشير إلى ضعف الاهتمام وتهميش مكون التعبير الشفوي للمتعلمين والمتعلمات، على الرغم من أهميته البالغة في رسم صورة واضحة عن ملامح الشخصية الإنسانية، على حساب مكونات التعبير الكتابي، الذي لا يبلور بالشكل الكافي المعارف المكتسبة على أرض الواقع.

هل بهذا المعنى يمكن القول بأن نظامنا التعليمي هو تعليم صامت، يكتفي بتقويم ما هو مكتوب على حساب ما هو شفوي، وبالتالي، ضرب لأحد مكونات التعبير الإنساني، الذي أخذ مكانة وزخما أكبر في العصر الحديث، وأفضى إلى الرفع من قيمة التواصل، باعتباره ركيزة من الركائز الأساسية للنجاح الشخصي والمهني؟

تتمة المقال تحت الإعلان

أجيال ضاعت ولازال مستقبلها الدراسي والمهني مهددا بسبب ضعف تواصلها، وعجزها عن ترجمة مكتسباتها المعرفية في قالب تعبيرات شفوية تجسد شخصية الإنسان وتفاعله مع محيطه الاجتماعي، خصوصا تلك المنحدرة من الطبقات الاجتماعية الهشة، وهو ما يتجلى في أن كثيرا من المتفوقات والمتفوقين في المجال الدراسي، لا يتجسد تفوقهم العلمي والمعرفي في سلوكهم الشخصي، ولا يتمظهر في مهارات تواصلهم وبناء علاقاتهم مع محيطهم الاجتماعي.

والأمر يستفحل عندما يجد المتعلمون والمتعلمات أنفسهم، بعد نيل شهادة البكالوريا، في مواجهة الاختبارات الشفوية في المباريات للولوج إلى الجامعات والمدارس العليا، وهم غير ممرنين ومتمرسين ومهيئين على مثل هذه الاستحقاقات، وبالتالي، ليست هناك استمرارية بيداغوجية بين الأسلاك التعليمية لقطاعي التعليم المدرسي والتعليم العالي، مما يفتح المجال أمام القطاع الخاص، الذي يستغل هذه النقطة، لتقديم خدمات ربحية، تتجلى في حصص الدعم والتقوية الإضافية، التي تثقل كاهل جيوب الأسر المغربية.

قد يكون المشرفون على الشأن التعليمي على وعي ودراية تامة بأهمية مكون التعبير الشفوي، لكن إكراهات التنزيل الخاصة بالتقويم، وتسطير وبرمجة الاختبارات الشفوية، يصطدم بتكلفتها المادية، وحجم الإمكانات والوسائل المسخرة، غير أن ذلك لا يمنع من التفكير مستقبلا في مواجهة هذه التحديات، وبحث سبل التغلب عليها، لمواكبة التغيرات التي تعرفها نظم التعليم الحديثة.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى