المنبر الحر | شهادة تقدير ووقار في حق شيخ الإسلام
بقلم: علي العلوي
من المعلوم أن العرش في المغرب ينتقل إلى ملك جديد إثر بيعة يوقعها العلماء والأشراف وكبار رجال المخزن وعلية القوم، حيث تمثل البيعة، الشرعية الوحيدة قصد انتقال العرش مع العلم أنه لم تخرج بيعة محمد بن عرفة في شهر غشت 1953 عن القاعدة، لدرجة جرى فيها احترام التقاليد برمتها، علما أن بن عرفة بويع مبايعة شرعية من الناحية الشكلية، حيث بويع سلطانا يوم 15 غشت 1953 بمراكش، وهي البيعة التي وقعها أغلب العلماء تحت الضغط وموظفو المخزن، بيد أنه قليلون هم العلماء الذين أعلنوا رفضهم القاطع بيعة الملك الجديد، وفي طليعتهم، شيخ الإسلام، محمد بن العربي العلوي، الذي لم يتوقف عند هذا الحد، بل حرم الخروج على السلطان محمد بن يوسف، رافضا التوقيع على بيعة بن عرفة وأفتى بقتله شرعا.
ويحكى أنه حينما طلب منه التوقيع، نزع عمامته من فوق رأسه قائلا: “هل بعد أن شاب شعري أقوم بتوقيع ما أعتبره غير جدي وضربا من العبث، وأخون ملكي وبلادي؟ لن أوقع حتى ولو قطعتم يدي”، إثرها قررت الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب، نفيه إلى تزنيت، وخلال سفري إلى تزنيت سنة 1985، زرت المنزل الذي كان يقطنه، حيث وضعت بعض الكتب كهدية في خزانة “دار الكتاب”.
ففي يوم 17 نونبر 1955، دخل محمد بن العربي العلوي، إلى قاعة العرش، حيث قال لعاهل البلاد بحضور الحاجب، السيد حسن بنيعيش وسيدي الوالد محمد بن الطيب العلوي (قاضي سابقا بالرباط ثم رئيس الاستئناف الشرعي بطنجة): “مولاي، اليوم أصبحت ملك المغرب بسبب النفي، حيث كان يكتب معظم المؤرخين المغاربة والأجانب، أنكم جلستم على عرش المغرب بفضل فرنسا”، فأجابه محمد الخامس: “كم من نقمة في طيها نعمة”، وأخبره أنه قبل المنفى ببضعة شهور، توصل برسالة من الإقامة العامة تفرض عليه ظهيرا يلقب به عبد الحي الكتاني، “شيخ الإسلام” في المغرب، فكان الجواب بالرفض جملة وتفصيلا، فشيخ الإسلام الوحيد في البلاد، هو محمد بن العربي العلوي، الرئيس السابق بالمجلس الأعلى للاستئناف الشرعي وقاضي القضاة بالمغرب، فرد عليه محمد بن العربي العلوي “في علم”، ولابد من التذكير بأن محمد بن العربي العلوي، أضحى من الضروري وزير التاج في فترة تمرد عدي وبيهي.
وخلاصة القول، هكذا تكون همة الرجال، ودفن جثمان شيخ الإسلام، شيبة الحمد، محمد بن العربي العلوي بتافيلالت، مهد أجداده الكرام وقطب السلفية، وقد اشتهر بدماثة أخلاقه، وله نبوغ خاص لدرجة أنه كان رجلا جريئا في نطق الحق وهو الذي لطالما كان يردد الآية القرآنية الكريمة ((لا تظلمون ولا تظلمون))، وأكيد أنه كان وطنيا غيورا حتى النخاع على وطنه المغرب، مع العلم كان يرتجل الدرس أمام محمد الخامس بالقصر العامر بالرباط في كل ليلة قدر حول القرآن وعلومه وعلم الفلك، وكانت له دراية واسعة في ما وراء الطبيعة، وكان جمهور غفير يتتبع الدرس بواسطة الإذاعة.
فهذه شهادتي في حق شيخ الإسلام المحبوب، الذي أعرفه معرفة تامة، وكنت سعيدا في دردشة معه في إقامته بالرباط، بحي هضبة مراسة. رحم الله تعالى الفقيد برحمته الواسعة، وأسكن رب العالمين الشريف الأصيل فسيح جناته آمين.