تحليلات أسبوعية

بين السطور | الطوارئ الصحية تعجّل بمجانية الهجرة

بقلم: الطيب العلوي

    عادت مؤخرا عجلة الهجرة السرية بالمغرب، إلى الدوران، وأقوى من أي وقت مضى(…)، والمدفوعة تاريخيا بحلم “القاع والضياع”، وجغرافيا بعامل القرب بين ساحلي جنوب إسبانيا وشمال المغرب، وها هي قد زادتها عوامل جديدة سهلت الأمور، وبدأ يتضح من خلالها للمغاربة أن “الحريك” أصبح أقرب للواقع، وأبسط من كل الإجراءات الأخرى..

فبعد أن كان صاحب أي فكرة هادفة لمغادرة البلاد، يوفر “الملايين الصحاح”، لمشروع يساهم فيه ماديا ومعنويا، كل من الأب والأم والأخ والأخت، وحتى الزوجة، قبل توجه صاحبه نحو شبكة تجار البشر، الذين لم يترددوا أبداً في مضاعفة أسعار رحلاتهم التي انتهت بأثمان صاروخية، بسبب الإقبال الكبير والطلب المتزايد على عروضهم، عروض مستفيضة جعلت أسماك وحيتان البحر الأبيض المتوسط، وحدها القادرة على إحصاء ضحايا وَهْم الحلم الأوربي.

إلا أن الاعتكاف في البيوت الناتج عن الحجر الصحي، الذي حَجَّرَ الأوضاع والجيوب(…)، وجعل العقول تتجه نحو الإبداع(…)، والأفكار تبتعد عن شبكات تجار الموت، بتخصيص وقت أكبر لشبكة من نوع آخر، شبكة الأنترنيت، التي أعطت للهجرة السرية أسلوبا جديدا بدوره، بحيل فريدة، خصوصا وأنها مجانية.

بدأ كل شيء عند نشر فيديو يروي قصة “فوزي والعربي”، اللذين خاضا في الماضي مغامرة غير مسبوقة، حيث انطلقا من ميناء الصويرة قاصدين الولايات المتحدة على متن قارب صيد صغير، وبعد أربعة أشهر “شافو فيها الموت”، وجدا نفسيهما قرب البرازيل.. مقطع جعل الشباب يفهم أنه بما أن البعض منهم حقق ما فعل كريستوف كولومب، فلم لا الإتقان والبراعة في ما قام به طارق بن زياد.

نعم، هكذا أصبح “اليوتيوب” يشكل ويركب بين الأفكار والدوافع لدى الشباب المغربي، مغذيا أحلاما تبدأ وراء شاشة الهاتف وتنتهي في أعماق البحار، حيث أصبحت جميع “حلول الحريك” متوفرة “من طاق طاق حتى للسلام عليكم”: من تفسير أحلام الهجرة السرية، وسرد اللائحة الكاملة للمعدات وملابس السباحة اللازمة، والتي حسب مراسل جريدتنا بالشمال، أصبح الإقبال عليها في الأسواق غير مسبوق، إلى الفيديوهات الفريدة من نوعها، التي انتشرت في الآونة الأخيرة، والمصوَّرة جوّا عن طريق ألعاب “فلايت سيمولايتر”، التي هي في الحقيقة ليست للتسلية فقط، وإنما لتدريب ربان الطائرة، انتهزها بعض المغاربة لشرح مختلف الطرق لإخوانهم في الله(…) وبالواضح، كجميع الخرائط والمسالك والأماكن التي يمكن العبور منها، وأماكن المراقبة الأمنية(…)، وجميع الثغرات المتواجدة على طول الشريط الحدودي، هذا بغض النظر عن مختلف المواقع المتوفرة بجميع اللغات، والموفرة لأرقام خاصة يمكن الاتصال بها عند الحاجة لإطلاق نداء الاستغاثة، تجيب عليها منظمات اختصاصها تقديم الدعم الإنساني للمهاجرين السريين وهم في أعالي البحار.

‏”إييه آسيدي”، بعد أن كانت الهجرة غير الشرعية محاطة بالكتمان والسرية، صارت اليوم أمرا علنيا لا يخفيه أصحاب العروض(…)، و”اللّي عرّا على اكتافوا” ووصل سباحة، لا يتردد بدوره في نشر فيديو هو الآخر، متباهيا بإنجازه، متمنيا حظا موفقا للاحقين(…) كما كان الأمر بالنسبة لهشام الشعيبي، الشاب الذي بعد أن تعرف على آنسة إسبانية، عن بعد(…)، وتطورت علاقتهما، والتحقت به في المغرب، وتعرفت على عائلته، وعقدا القران، ولما اقترحت عليه البدء في إجراءات التجمع العائلي، لحصوله على تأشيرة الدخول إلى إسبانيا، ردّ عليها: “أنا أوربا بغيت نجيلها بدراعي، سيري فحالك، اعطيني أسبوع نكون عندك…”، وهو فعلا ما حصل..

فكرة التطرق لموضوع الهجرة كافتتاحية لعدد هذا الأسبوع، بعيدا هذه المرّة عن السياسة، راودتني يوم الثلاثاء الأخير، بعد أن عبرت الحكومة عن عدم استعدادها للجواب عن الأسئلة الموجهة لها تحت قبة مجلس المستشارين، حول موضوع هجرة شباب الفنيدق إلى سبتة، وبعد أن أكد عبد القادر حيسان، البرلماني باسم الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أنها المرة الخامسة التي ترفض فيها حكومة العثماني التجاوب مع القضية، ليكون هذا العمود على الأقل، إجابة عن تساؤلات بعض المسؤولين الحكوميين الأوربيين، الذين استغربوا(…) مؤخرا عبر بعض المنابر الدولية(…)، لسبب كل هذا التهافت المغربي على الهجرة في الوقت الذي يتوفر فيه المغرب على ثروات وموارد مهمة.

إن ما تعاطى له المغاربة مؤخرا من مهارات في السباحة(…)، ما هو إلا حل مؤقت لقضاء أغراضهم في انتظار موعد انتهاء قرار تعليق الرحلات الجوية، ومشهد الشباب الثمانون، الذين خاضوا الأسبوع الماضي، وفي واضحة النهار، هجرة جماعية سباحة نحو مدينة سبتة المجاورة للفنيدق، ما كان إلا حصة تدريبية على السباحة لخوض نهائيات “بليونش / الجزيرة الخضراء” و”القصر الصغير / طريفة”، إذا ما استمر الحظر الجوي ما بعد 21 ماي(…).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى