المنبر الحر

المنبر الحر | في أفق التطعيم المناعي للثقافة

بقلم: محسن الأكرمين

    من البنيات الأساسية لتفعيل ديناميكية التنمية وجودة ثقافة مواطنة، وكذا فن يستلهم تطوير الأداء والفكر والممارسة المحترفة، وجود مهرجانات كمحطات للإقلاع التنموي، وروافع أساس للتسويق الثقافي والفني، مهرجانات تخطط لتفريغ الاختلافات وتقلل من الاحتقان الاجتماعي.

 قد نكون يوما من أشد منتقدي وفرة المهرجانات بمدينة مكناس بمتم التخمة، وقد نكون من بين من يقتفي عيوب التمرير غير المحترف، ومن بين من لا يستسيغ مهرجانات الافتتاح والختم، لكن اليوم، باتت تلك الفضاءات المشتركة التي كانت محج السماع وتزين العروض، مثل المنحوتات القديمة الباهتة، قد ضربت عليها العنكبوت بنسجها لطول مدة الجائحة، اليوم حليب المهرجانات المدر لقشدة عيش الرفاهية والبذخ والترف قد سكت عليه “كورونا” الأبواب الحديدية الموصدة، اليوم بات إنتاج الفن والإبداع والثقافة العامة مقلصا بنفس نقصان سيولة الدعم والشراكات بالجهة والمحلي بمكناس، بات مشروع المجتمع الحديث الذي تبنته الدولة في خططها الثقافية قاب قوسين أو أدنى من الفشل والاضمحلال.

قد لا ننتقص مما راكمته كل المهرجانات المقامة بمكناس من تجارب وخبرات ومطبات مستديمة، رغم أنها بقيت حبيسة أسوار المدينة العتيقة ولم تقدر على تسويق المدينة بكل أريحية، لذلك، لا نخفي تلك الحركية التي تشغلها المهرجانات حتى وإن ظلت “رخوة” وتحمل صورة الزينة والتزين النشيط، وقد باتت صورة مكناس عندما افتقدنا إنارة المهرجانات الملونة، تنشئ صناع التفاهة والسخافة وممتهني “اللايكات” في “السوشيال ميديا”، وباتت كل المشاريع الثقافية مجهضة بالضرورة الوبائية، وتدار من وراء حجاب بدار الثقافة “الفقيه المنوني”.

الحديث عن مهرجانات مكناس، ليس بالضرورة حديثا عن أشخاص أثثوا المشهد الفني بالمدينة، بل هو حديث عما خسرته المدينة من توقيف حركية المهرجانات الثقافية والفنية، وهناك حديث عن أفق جلسة موضوعية لكل رؤساء المهرجانات بمكناس لوضع التقييمات السديدة عما تحقق، وما تم تسجيله من إخفاقات.

من سوء الماضي، أننا كنا نرى في تكاثف مهرجانات مكناس ترفا وتسلية في الزمن الثقافي والسياسي (مهرجان مكناس)، كنا نرى فيها عيبا تنمويا وظلما، لأن الإنسان مغيب فيها بفكره وعمله وحاضر بجسده وألوانه البهية، كما كنا نرى فيها نوعا من الإلهاء الكبير الذي يغطي حاجة المدينة لتعليم ذي جودة وجاذبية، ولصحة تناقش كيفية وقاية المواطن من الأمراض المستعصية بإنصاف، كنا نرى فيها نوعا من جدال فلسفي (من سبق البيضة ولا الدجاجة) في ظل غياب البنيات التحتية (المسرح الكبير) وبهرجة الاستعراضات.

اليوم، خطاب صانعي مهرجانات مكناس يردد الآية القرآنية الكريمة ((وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)).. نعم الضر في سد منافذ اشتغالهم وانشراحهم، الضر في نهاية موسم حصاد الشراكات والدعم من المال العام، الضر حين تأكد أننا بمكناس كنا نشتغل على تنمية هز الأبدان بدل تنمية العقول وتغذية الروح بالقيم والأخلاق النظيفة والتسامح.

اليوم، خطاب صانعي المهرجانات بمكناس، يجب أن يتأسس على تغيير وظيفة المهرجانات من الاستعراض وإظهار ممتلكات الجسد، يجب أن يوازي التنمية المندمجة من حيث التنظيم والبرمجة والتواصل والمعرفة الحقة.

اليوم، خطاب صانعي المهرجانات بمكناس، يجب أن يكشف للساكنة والجهة والوطن والعالم، ليس عن المفاتن المنمقة تحت الأضواء، وإنما عن كيفية تشييد استراتيجية الثقافة والفن بالمدينة إلى الفن الراقي، عن كيفية إشباع حاجات الساكنة الثقافية والفنية بدل الجلوس في الأبراج العالية والمكاتب المكيفة. اليوم، لا بد من التفكير في ضبط رغبات المدينة الأرض والساكنة بالإرضاء وصناعة ثقافة المناصفة بدل إبداع “النخبة المحمية”.

واليوم، خطاب صانعي المهرجانات بمكناس، هو الجلوس جماعة وتكسير جليد التنافسية الهشة، إذ يجب عليهم التفكير في فضاءات الإبداع وابتكار التمكين الثقافي وتسويق أثر تثمين المدينة العتيقة، يجب عليهم احترام المتلقي بالتنوع والهويات المشتركة من خلال ربطه بـ”القدوات والنماذج الرصينة والقوية”، يجب التفكير في النظام والتنظيم و”الرفع من مستوى السلوك المدني”، كما يجب التدريب على مكون الترافع عن حقوق المدينة (المسرح الكبير) بدل الائتلاف في خندق ضيق عنوانه “ما تقيش مدينتي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى