تحليلات أسبوعية

بين السطور | رمضان 2021.. القاسِم بين السياسة والدّين

بقلم: الطيب العلوي

    خلال الأسبوع المنصرم، وفي إطار الحد من خرق حالة الطوارئ الصحية، تدخلت كل من العناصر التابعة لمختلف الدوائر الأمنية للمدن، وعناصر الدرك الملكي لما تبقّى(…)، بعد إخبارهم من لدن “أصحاب الحسنات”، بإحداث تجمعات لعشرات المصلين، القاصدين مختلف المساحات الفارغة، الكائنة قرب المجمعات السكنية، أو في “الباركينگات” التحت أرضية (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، أو على السطوح المرتفعة والمُطِلّة على “التِّيرَّات” القاحلة، تحت ظلام دامس كان فيه نور الهلال النحيف هو المضيء الوحيد(…)، مشهد يوحي هنا – سبحان الله – بالاتصال المباشر مع السموات السبع(…).

فبين “حريرة” مصلّيي مراكش العَشَرة، الذين انتهى بهم الأمر بالسجن المدني “الوداية” ضاحية المدينة الحمراء، بتهمة “التحريض على العصيان”، وبين مصلّيي طنجة، الذين أدّوا صلاة التراويح في الشارع العام، قرب مجمع “الضحى فال فلوري”، خلف إمام كانت بحوزته 24 قرصا مخدرا وقطعة من الشيرا، وما تلاها من أحكام “إمامة الحياة”.. أو في المضيق، حين تم توقيف حشد هام من الأشخاص، معظمهم مراهقون(…)، خرجوا تزامنا مع صلاة العشاء، على خلفية مسيرة هادفة لفتح أبواب المساجد في وجه المواطنين، لكن سرعان ما تم إخلاء سبيلهم، لعدم بلوغهم سن الرشد، أو لعدم توفرهم على “لاكارط”، والله أعلم..

لكن تبقى حالة مصليي فاس أكثر ما أثار انتباهي(…)، ليس نظرا للبعد العتيق للمدينة، ولا لخرق حظر التجول الليلي الذي لم يكن الوحيد من نوعه، وإنما لحدث لم يسمع به أحد(…)، حيث حكت بعض المصادر المحلية: عندما أدّت مجموعة قليلة من المواطنين نوافلهم على جنبات إحدى الأزقة، وجاء أحد أعوان السلطة منحنيا على أحد المصلين لجرّ سجادته، رفع المصلي رأسه، وبنظرة بريئة وصوت منخفض ذي نبرة مطمئنة(…)، غير عابئ إن كان الأمر قد ينتهي به كما انتهى بأساتذة الرباط(…) وكأنه متيقن بأنه محمي بما هو أقوى(…)، قائلا بكل هدوء في وجه العون: “الله يرحم ليك الوالدين.. ما تقيش زربيتي”.

“ما تقيش زربيتي”، جملة تحمل في طياتها، لمن تذكّر وحلّل، آلاف المعاني(…)، ولا أدري إن كان هذا الرجل قد تلفظ بها بمحض الصدفة، أم أنه كان ينوي ما يقول(…)، أم أن هذه الجملة نزلت من عالم الغيب عن طريقه(…).

فصيغة الجملة، سرعان ما تذكر الواحد بحملة “ما تقيش بلادي” التي تم إطلاقها قبل 10 سنوات، عبر اللوحات الإشهارية الفريدة من نوعها(…)، والتي ما لبثت أن أثارت انتباه كل من يجوب شوارع البلاد وملتقيات الطرق.. أسلوب في التواصل أراد من صممه آنذاك، بعث رسالة ما لعدو حاضر بلا شك في الشوارع نفسها، وإشهار هذه الجملة الخارقة في وجهه، متصدّيا في كلماتها لأي مخطط جهنمي(…)، وبما أن كل رسالة تنتظر جوابا(…)، فالجواب لم يكن سوى ذلك الذي رد به مصلي فاس، سلمي مسالم(…)، مجسدا لمقاربات السابق واللاحق(…)، مما يدل في آخر المطاف على أن الحملة التواصلية التي أُطلِقت من قبل، لم تكن إنتاجا غبيا(…)، بل توجيها صائبا انتهى بتغذية البارانويا(…) لدى المواطن المغربي، محوّلا كل نية سيئة إلى تعبير وطني(…)، هادف لاستواء الجميع، وتشكيل صف واحد وراء السلط الحامية من بعضنا البعض(…)، سواء ساد فيها الدين أو السياسة.

ليبقى رمضان 2021، وما تخللته من أزمات، والتي لا داعي لإعادة ذكرها(…)، يكون قد ساهم أيضا في تفكيك إشكاليات أخرى، ومحاولة رصد أبعادها، التي كانت بمثابة كابوس للعديد(…) من قبل، أي في زمن ما قبل “كورونا”، وحتى قبل صعود نجم الإسلاميين وتحولهم إلى قوة مكتسحة للمشهد السياسي، أو حتى قبل كل تجربة أخرى وضعت المغرب في مواقف معقدة، كلما وجب الاختيار بين السياسة والدين، وكأن “ملتحي فاس” رسم بجملته الذكية حدّا لكل واحد منهما(…)، رافعاً جلسة كل نقاش في الموضوع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى