ملف الأسبوع

الشيخ حمزة يدعو للالتفاف حول الملك محمد السادس والزاوية البودشيشية تصبح “مؤسسة مداغ”

     بعض الناس لهم مكرهم وحساباتهم(..)، لكن للصدفة أيضا مكرها الخاص، ففي نفس اليوم الذي انطلق فيه مهرجان موازين المثير للجدل، كان الملك محمد السادس قد وصل إلى تونس في زيارة رسمية للبلد الذي مهد لكل الثورات العربية، وبينما كان البعض يحاول صناعة الحدث بالتزامن مع حفلات النجوم العالميين(..)، كان الحدث هو تداول مئات الصور للملك محمد السادس وهو يتجول بكل حرية في تونس..

في اليوم نفسه، كان لمنتسبي الزاوية البودشيشية موعد مع الشيخ حمزة، في منطقة “النعيمية”، حيث يوجد منزله، وهو في منطقة بعيدة شيئا ما عن منطقة مداغ، مهد الزاوية.. “كان هناك مئات الحاضرين، لكن القاعة حيث كان يجلس الشيخ، كانت هادئة بما يكفي لسماع صوت ذبابة.. وسط هذه الأجواء الروحانية، والرهبة التي تحف المكان، كان الحاضرون ينتظرون الاستماع لكلمة الشيخ..”.

هكذا يصف مصدر “الأسبوع” أجواء الدخول عند الشيخ حمزة الذي لم يلق أي خطاب منذ مدة طويلة، لكن هناك مشكلة، هل سيصل صوت الشيخ إلى أذان المريدين، “طبعا الشيخ حمزة، ينطق الكلمات بصعوبة، نظرا لحالته الصحية، أطال الله في عمره، لكن كان بجانبه شخص آخر يتولى ترديد الكلمات بصوت مرتفع حتى يسمع الجميع”.. يقول مصدر “الأسبوع”.

تتمة المقال بعد الإعلان

كان لكلمات الشيخ حمزة وقع كبير في نفوس الحاضرين، في هذا اللقاء الذي لا تحضره إلا “زبدة المريدين”، فقد قال: “احنا مع الملك.. وكندعيو الله ينصرو على الأعداء..”، هكذا أوصى الشيخ خيرا بالملك محمد السادس، وهو في ظروفه المعروفة(..)، قبل أن يدعو الجميع إلى التشبث بالدفاع عن الوطن وحمايته، والالتفاف حول الملك محمد السادس، “كلمة الالتفاف حول الملك محمد السادس، وردت هكذا بالضبط على لسان الشيخ”، يقول مصدر الأسبوع، الذي أكد أيضا أن الشيخ قدم نصائح أخرى للمريدين تتمحور حول التشبث بالصلاة والزكاة وأمور تربوية ودينية أخرى.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الشيخ حمزة عن الملكية في المغرب، فقد سبق له أن استيقظ هلعا في إحدى ليالي شهر فبراير الماضي، قبل انعقاد المحفل الديني بمناسبة وفاة الملك الحسن الثاني، لأنه رأى حلما مزعجا، فجمع وقتها رجال ثقته، وهو في حالة خارجة عن المعهود، وقال لهم: “اقرؤوا اللطيف، اقرؤوا اللطيف.. فانتشرت عبر أنحاء المغرب، تعليمات لفروع الزاوية البودشيشية في الرباط والبيضاء وفاس ومراكش والسراغنة، تؤكد على حتمية قراءة اللطيف.

“فماذا رأى الشيخ حمزة، في هذه الليلة التي كان يتم فيها الإعداد لإحياء ذكرى وفاة الحسن الثاني؟ كل أقرباء الشيخ أصروا عدم التصريح بما رأى(..)، رغم حديث البعض عن رؤيته “لخطر داهم”، لكن مسؤولا بالزاوية قال إن قراءة اللطيف، صاحبتها الدعوة لحفظ الملك محمد السادس ولحدود البلاد”، (أنظر تفاصيل الواقعة ضمن عدد “الأسبوع” الصادر بتاريخ: 13 فبراير 2014).

تتمة المقال بعد الإعلان

وليست هذه هي المرة الأولى التي يستيقظ فيها الشيخ حمزة مفزوعا من منامه، فأتباعه يذكرون ذات يوم في سنة 2011، عندما ثار نفس الثورة، بعد رؤيا مزعجة.. فدعا إلى قراءة اللطيف، فحدثت بعدها مظاهرات 20 فبراير، وأحداث الربيع العربي (المصدر نفسه).

رؤيا بهذا الحجم قد لا يعادلها من حيث القيمة إلا رؤيا الشيخ العباس بن المختار، والد الشيخ حمزة، الذي “أحس بأن مكروها ما يحاك ضد الحسن الثاني، فخرج من منزله وهو أعمى آنذاك وقال: إن أهل الله اجتمعوا وقالوا إن الحسن الثاني لن يمسه السوء، وكان ذلك قبل الانقلاب الأول عام 1971، وأقسم أن الملكية ستبقى في المغرب إلى أن يلتقي عهدها مع نزول عيسى بن مريم”، حسب ما حكاه الكاتب محمد السعدوني.

————————–

الفرق بين الشيخ حمزة والشيخ ياسين

مأسسة الزاوية البودشيشية.. ترتيب أوراق أم مقدمة لتعاون كبير

 

بالتزامن مع دعوة الشيخ حمزة إلى الالتفاف حول الملك محمد السادس في مواجهة الأعداء(..) تؤكد مصادر “الأسبوع” أن هذه الزاوية ستعلن خلال الأيام اللاحقة عن تحولها إلى “مؤسسة مداغ”، غير أن هذا التحول نحو المأسسة لا يعرف ما إذا كان سيقتصر على أنشطة الزاوية المرتبطة بالعمل الخيري أم سيمتد ليشمل كافة الأنشطة.

ترجح بعض مصادر “الأسبوع” أن تحول الزاوية إلى مؤسسة قد يكون مرتبطا في الغالب بالعمل الخيري الذي تقدمه، مشددا في ذات السياق على كون تدبير مساهمات الموردين يحظى بالثقة والشفافية، حيث يحصل كل مساهم على وصل بمقدار الدعم الذي قدمه(..)، غير أنه وفي غياب أي معلومة رسمية يمكن القول إن الزاوية البودشيشية قد شرعت في ترتيب أوراقها، وهيكلة نفسها بشكل يجعلها في منأى عن تقلبات المستقبل، ورغم أنه لا مجال للمقارنة بين الشيخ حمزة والراحل الشيخ ياسين، إلا أن جماعة العدل والإحسان تمكنت من ضمان استمراريتها بفضل الانتقال من نظام المرشد الروحي المتحكم في كل شيء إلى نظام الأمانة العامة، بالمقابل تقتضي التطورات الأخيرة، داخل الزاوية البودشيشية، إعلان اسم رئيس “مؤسسة مداغ”.

———————–

سئل ادريس بنسعيد، وهو أستاذ متخصص في علم الاجتماع، ما هي الزاوية؟ فقال: “تعريف الزاوية، بسيط ومعقد في نفس الوقت، بسيط إذا اختزلنا الزاوية في المعنى الأصلي لها وهو الانزواء في مكان ما للتعبد، ومعقد لأن المسار التاريخي لتطور الزوايا عرف مسارات مختلفة..”.

لكل زاوية إذن مسارها وعلاقتها الخاصة مع نظام الحكم(..)، لكن نفس الباحث يؤكد أن:”الزاوية البودشيشية تتميز عن غيرها بكونها منظمة بشكل محكم جدا، وتستثمر تقنيات الماركوتينغ والإنترنيت.. واللقاءات داخل الزاوية تتخللها أذكار وأدعية ذات إيقاع معين، كما أن جلساتها لها صورة جميلة من الناحية الإستيتيكية.. نؤمن بها أم لا، هذا شيء آخر.. الزاوية البودشيشية لها حمولة روحية وصوفية كثيفة.. إن هذه الزاوية تجاوزت النطاق بالتوجه إلى جمهور أدخلته إلى الإسلام أولا، ثم إلى الطريقة الصوفية، وهو الجمهور الدولي الأوروبي والأمريكي، الذي يعاني من أزمات روحية وجودية أكثر تعقيدا.. فالأعداد الهائلة التي تزور الشيخ حمزة، والتي تحج إلى مداغ هي أمر واقعي غير أن ما يجب التأكيد عليه هو أن أي ظاهرة تحدث داخل المجتمع، عندما تصل إلى حجم ما تتحول بالضرورة إلى ظاهرة سياسية”.

ما الذي يقصده بنسعيد بأن لكل زاوية مسارها؟ يمكن الجواب على ذلك من خلال العودة لتاريخ الزوايا في المغرب، حيث تواطأت بعض الزوايا مع الاستعمار، وتمت الاستعانة بشيوخها لإضفاء الشرعية على التدخل الأجنبي، بالتعاون مع الجنرال اليوطي، في هذا الصدد يؤكد مصطفى الرايس الباحث المختص في التصوف وتاريخ المقاومة: “لقد تمكنت الإدارة الاستعمارية من استقطاب الكثير من شيوخ الزوايا الذين أبدوا مواقف استسلامية ورافضة لكل مواجهة، داعية إلى اختيار السكينة وطاعة أولي الأمر واعتبار الاحتلال قدرا لا مفر منه، وتسكين الخواطر وتهدئتها للحيلولة دون ردود أفعال قد تعرقل أو على الأقل تؤخر الاحتلال السريع للقوات الفرنسية للمغرب. الواقع أن تخاذل وتواطؤ شيوخ الزوايا مع سلطات الاستعمار قد أساء إلى سمعتهم وأفقدهم صفة الوطنية”، (الصباح، عدد: 18 أبريل 2014).

—————

الجبهة التي هددت نظام الحكم

 

بخلاف الزاوية البودشيشية، التي لا تدع المناسبة تمر دون أن تؤكد اصطفافها وراء الملكية، يشهد التاريخ على فصول طويلة من الصراع بين الزوايا والملكية، لدرجة أن الأمر وصل إلى حد المواجهة المباشرة، جسدها تكوين جبهة داخلية معارضة لاستقلال المغرب، وضمت تلك الجبهة في صفوفها كل من باشا مراكش التهامي الكلاوي، المطرود من القصر السلطاني، والكثير من شيوخ الزوايا والطرق الصوفية الذين كانوا خائفين عن ضياع سلطتهم الرمزية.

يقول مصطفى الرايس: “اتخذت تلك الجبهة المعارضة من حركة المعارضة والإصلاح اسما لها، ومن الباشا الكلاوي زعيمها السياسي، ومن عبد الحي الكتاني زعيمها الديني، وكانت على النحو الذي صرح به الشيخ عبد الحي الكتاني، أكبر من أن يصفها خطيب أو كاتب، وأعظم من قوة الأقوياء وأجدر بالذكر والاحترام وهي الدفاع عن هذا الدين الطاهر المحمدي الذي عصمه الله من الشرك والإلحاد، لكونها ضمت في صفوفها خير أمة أخرجت للناس وخير شعب قام بالدفاع، ونصرتم دين الله وحاربتم الإلحاد والفجور والطغيان وأصحاب السفور والزنادقة وتلك الملل التي يتبرأ منها الإسلام، وإنقاذ الشعب المغربي، من هاوية الفتن والفوضى والفجور والإقطاعية المخالفة للكتاب والسنة”، (انتهى كلام الباحث).

ولعل عددا قليلا من المغاربة هم الذين بإمكانهم أن يعرفوا أن حركة مثل هاته هي التي بادرت إلى تحريض كبار القواد والباشوات والدفع بهم إلى توقيع عريضة تتهم السلطان بالسير بالمغرب نحو الهاوية والتعاون مع الأحزاب المتطرفة غير الشرعية وتندد بعدم مطابقة سياسته مع التعاليم الإسلامية، وبضرورة عزله بدعوى أنه خرج عن الدين(..).

وقد استمر سوء الفهم بين بعض منتسبي الزاوية والكتانية والنظام إلى حدود اليوم، ويمكن أن نلمس ذلك من خلال تصريحات بدر الدين الكتاني، الذي سبق له أن قال إن وجود الزاوية الكتانية “أغاظ كاتب الدولة في وزارة الداخلية فؤاد عالي الهمة، وهو ما دفع الدولة إلى اختراق الزاوية بعناصر لا علاقة لها بالتصوف”، (تصريح للأسبوعية الجديدة، بتاريخ 8 فبراير 2007).

وكان بالإمكان تلافي استمرار سوء الفهم بين هذه الزاوية والقصر، رغم أن عبد الحي الكتاني كان واحدا من الذين تزعموا مبايعة ابن عرفة سنة 1953، ولكن مقربين من الملك محمد الخامس رفضوا هذه الفكرة، إلى أن توفي الشيخ عبد الحي الكتاني بفرنسا في مدينة نيس”.

——————-

الخلاف بين الشيخ حمزة وجماعة العدل والإحسان

 

بخلاف الزاوية الكتانية، تعتز الزاوية البودشيشية التي تتحكم في شبكة علاقات أخطبوطية تمتد إلى مختلف مرافق الدولة (وزراء، موظفون سامون، عمال وولاة..) بوقوفها في ظهر النظام الملكي، حتى أنها دعت مريديها إلى النزول للشارع من أجل مساندة دستور 2011، “الطريقة من خلال هذا التصويت تعبر عن موقفها، باعتبارها زاوية صوفية تؤمن بضرورة قيامها، بواجبها الديني والوطني، بشكل متكامل مع مكونات المجتمع المغربي”، حسب ما تم التعبير عنه في وقت سابق، بل إن الشيخ حمزة أصدر سنة 2005 بيانا يتحدث فيه عن فوائد النظام الملكي الذي حافظ على وحدة الأمة، بالتزامن مع الجدل الذي خلقته ندية ياسين في أحد حواراتها الذي انتقدت فيه النظام خلال نفس السنة.

الخلاف بين زاوية الشيخ حمزة والمنتسبين لجماعة الشيخ ياسين التي تعتمد على نظام شبه بالزاوية مرتبط أيضا بالمعطيات التاريخية، فالمرشد الروحي لجماعة العدل والإحسان هو في الحقيقة أحد منتسبي الزاوية البودشيشية، “نعم عبد السلام ظل واحدا من مريدي الزاوية، بعد وفاة والدي سيدي العباس وبقي في هذه الزاوية لمدة ثلاث سنوات، وكنت خلالها شيخه، قبل أن يقرر الخروج منها بإرادته..”، والكلام هنا للشيخ حمزة، لكن ما الذي حصل؟

الجواب على لسان الشيخ حمزة: “ياسين كان يميل أكثر إلى السياسة، وكان يحاول تسييس الزاوية، من الداخل، في ما جوهر التصوف يقوم على تربية الروح بدل الدخول في متاهات السياسة.. ومازلت أذكر كيف أن والدي منع ياسين من تأليف كتاب حول تاريخ المقاومين البودشيشيين ضد الاستعمار الفرنسي..”، (حوار مع الشيخ حمزة، المساء 21 مارس 2009).

————————

العودة إلى نظام الزوايا

 

شكل تعيين أحمد التوفيق وزيرا للأوقاف سنة 2002 بحكم انتمائه للزاوية البودشيشية إشارة واضحة لطي صفحة الخلاف بين الدولة وبعض الزوايا، قبل أن يتطور الأمر إلى محاولة للمراهنة على التيار الصوفي كجواب على سؤال التأطير الديني، من أجل مواجهة التطرف.”كان اهتمام الدولة قد بدأ بالالتفات إلى الطرق الصوفية عقب حدثين أكثر أهمية ولهما دلالات سياسية وأمنية كبيرة، أولهما وصول فريق من حركة الإسلام السياسي، ممثلا في حزب العدالة والتنمية، إلى احتلال موقع متقدم على الساحة السياسية عبر آليات الانتخاب، وثانيهما تورط مجموعة من الشباب المحسوبين على تيار الإسلام الراديكالي المتشدد في تفجيرات الدار البيضاء التي هزت كيان المجتمع المغربي سنة 2003، (الجريدة الأخرى، 12 مارس 2006).

لكل مرحلة رهاناتها ورهانات اليوم ليست هي رهانات الأمس، فإذا كان رهان الأمس هو مواجهة التطرف فإن رهان اليوم هو حماية البلاد من العواصف الهوجاء التي تلبس في كل مرة لباسا معينا عندما تطرق أبواب أحد البلدان، فهل ستلعب الزوايا نفس الدور الذي لعبته في مواجهة الاستعمار، سؤال سيجيب عنه التاريخ بلا شك، بعد أن أكدت التقارير أن جزءا من الاستثناء المغربي يكمن في صوفيته أيضا، فإذا كان المشرق بلد الأنبياء فالمغرب هو بلد الأولياء.. وإذا كان أحمد التوفيق وزيرا للأوقاف فهو وزير لكل المغاربة وليس وزيرا للطريقة البودشيشية، حسب ما أكده منير، حفيد الشيخ حمزة في حوار سابق سنة 2007.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى