المنبر الحر

المنبر الحر | في معنى الهيمنة الثقافية؟

بقلم: عبده حقي

    تشير الهيمنة الثقافية إلى السيطرة أو التحكم من خلال الوسائل الإيديولوجية أو الثقافية، وعادة ما يتم تحقيق هذه الهيمنة من خلال المؤسسات الاجتماعية، التي تسمح لمن هم في السلطة بالتأثير بقوة على القيم والمعايير والأفكار والتوقعات والنظرة العالمية وسلوك بقية المجتمع.

تروم الهيمنة الثقافية من خلال تأطير النظرة الشمولية للطبقة الحاكمة، والبنيات الاجتماعية والاقتصادية التي تجسدها، إظهار على أنها عادلة وشرعية ومصممة لصالح المجتمع ككل، على الرغم من أن هذه البنيات جميعها قد تفيد فقط الطبقة الحاكمة.

إن هذا النوع من السلطة يختلف عن التحكم بالقوة كما هو الحال في الديكتاتوريات العسكرية، لأنه يسمح للطبقة الحاكمة بممارسة السلطة باستخدام الوسائل “السلمية” للإيديولوجيا والثقافة.

لقد طور الفيلسوف الإيطالي، أنطونيو غرامشي، مفهوم الهيمنة الثقافية من نظرية كارل ماركس القائلة بأن “الإيديولوجية المهيمنة في المجتمع تعكس معتقدات ومصالح الطبقة الحاكمة”، وقال بأن الموافقة على حكم المجموعة المهيمنة تتحقق، من خلال انتشار الإيديولوجيات والمعتقدات والافتراضات والقيم من خلال المؤسسات الاجتماعية مثل المدارس والكنائس والمحاكم ووسائل الإعلام من بين عوامل أخرى.

إن هذه المؤسسات تقوم بعمل التنشئة الاجتماعية ضمن معايير وقيم ومعتقدات الفئة الاجتماعية المسيطرة، وبالتالي، فإن المجموعة التي تهيمن على هذه المؤسسات، تهيمن كذلك على بقية المجتمع.

تتجلى الهيمنة الثقافية بقوة عندما يعتقد أولئك الذين تحكمهم المجموعة المهيمنة أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية طبيعية وحتمية، وليست من صنع أشخاص لهم مصلحة خاصة في أنظمة اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة.

لقد طور أنطونيو غرامشي أيضا مفهوم الهيمنة الثقافية في محاولة لشرح سبب عدم حدوث الثورة التي قادها العمال والتي تنبأ بها ماركس في القرن العشرين. من بين الأمور المركزية في نظرية ماركس عن الرأسمالية، هي الاعتقاد بأن تدمير هذا النظام الاقتصادي قد تم بناؤه في النظام نفسه، لأن الرأسمالية تقوم على أساس استغلال الطبقة العاملة من قبل الطبقة الحاكمة، ورأى ماركس أن العمال لا يمكنهم أن ينالوا الكثير من الاستغلال الاقتصادي إلا قبل أن ينتفضوا ويسقطوا الطبقة الحاكمة، ومع ذلك، فإن هذه الثورة لم تحدث على نطاق واسع. وأدرك غرامشي أن هيمنة الرأسمالية كانت أكثر من البنية الطبقية واستغلال العمال، ومن جانبه، أدرك ماركس الدور المهم الذي تلعبه الإيديولوجيا في إعادة إنتاج النظام الاقتصادي والبنية الاجتماعية التي تدعمه، لكن غرامشي اعتقد أن ماركس لم يعط الدور الكافي لقوة الإيديولوجيا حقه.

في مقالته بعنوان “المثقفون” التي كتبها بين عامي 1929 و1935، وصف غرامشي قوة الإيديولوجيا في إعادة إنتاج البنية الاجتماعية من خلال مؤسسات مثل الدين والتعليم، وقال بأن مفكري المجتمعات، الذين يُنظر إليهم غالبا على أنهم مراقبون منفصلون في الحياة الاجتماعية، هم في الواقع جزء لا يتجزأ من طبقة اجتماعية مميزة ويتمتعون بمكانة عظيمة، وبالتالي، فإنهم يعملون كـ”نواب” للطبقة الحاكمة، ويقومون بتعليم وتشجيع الناس على اتباع المعايير والقواعد التي وضعتها هذه الطبقة، وشرح غرامشي الدور الذي يلعبه نظام التعليم في عملية تحقيق الهيمنة الثقافية، في مقالة له بعنوان “في التعليم”.

وفي دراسة الفلسفة، تحدث غرامشي عن دور “الفطرة السليمة” – إن الأفكار السائدة حول المجتمع وحول مكانتنا فيه – في إنتاج الهيمنة الثقافية على سبيل المثال، فكرة “رفع الذات عن طريق التمهيد”، وهي فكرة مفادها أنه يمكن للمرء أن ينجح اقتصاديا إذا حاول ذلك بجهد كاف، وهو شكل من “الفطرة السليمة” التي ازدهرت في ظل الرأسمالية، والتي تعمل على تبرير النظام، وبعبارة أخرى، إذا كان المرء يعتقد أن كل ما يتطلبه النجاح هو العمل الجاد والتفاني، فإن ذلك يعني أن نظام الرأسمالية والبنية الاجتماعية المنظمة حوله، عادل وصالح، ويترتب على ذلك أيضا، أن أولئك الذين نجحوا اقتصاديا قد كسبوا ثرواتهم بطريقة عادلة ومنصفة، وأن أولئك الذين يكافحون اقتصاديا، بدورهم يستحقون دولتهم الفقيرة.. هذا هو الشكل الصحيح لـ “الفطرة السليمة”.

باختصار، إن الهيمنة الثقافية واتفاقنا الضمني حول معناها، هو نتيجة التنشئة الاجتماعية، وتجاربنا مع المؤسسات الاجتماعية، ومواجهتنا مع الصور الثقافية اليومية، وجميعها تعكس معتقدات وقيم الطبقة الحاكمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى