تحليلات أسبوعية

بين السطور | يا ليت الشباب يعود يوماً

بقلم: الطيب العلوي

    يُقال بأن الصدفة خير من ألف ميعاد، غير أنها ليست دائما كذلك، كما أننا نرُدّ بعض الأمور أحيانا إلى الصدف عندما نعجز عن فهم حيثياتها الغير متوقعة(…)، وهو ما حصل مؤخرا في هذا البلد السعيد، إذ نسجل توالي الصدف الغريبة التي تكررت الواحدة تلو الأخرى، ألا وهي تلك التي جمعت هذا الأسبوع، بشكل غير مألوف ولأكثر من مرة، بين السياسة و”عامل السن”.

فبدءً بحزب “المصباح”، أو القنديل(…)، الذي صادق مجلسه على التعديلات التي قدمتها أمانته العامة حول طريقة اختيار مرشحيه للانتخابات المقبلة، حيث قرر الاعتماد على أعضائه الكبار في السن، مما يفسر رهانه الواضح على “شيوخ” الحزب للاستمرار في ركوب “السرج” الحكومي.. حتى جاءنا بدوره السي إلياس العماري، بفكرة معاكسة تماما، عبر فيديو لقناة صينية، والذي بعد غياب طويل، أطلّ علينا بـ”لوك” شبابي أثار انتباه الجميع: شعر كامل ولحية “موديرن” وكأن آلة زمنية عادت به ربع قرن إلى الوراء (رغم أنه لم يكن كذلك من قبل).. مظهر مُستحدَث وقبل مدة وجيزة من بداية الاستحقاقات الانتخابية، سرعان ما فهم الناس أنه وسيلة مبتكرة لم يسبق لنا أن عرفناها حتى لدى “الماريكان”، سلوك معبر عن عزيمته القوية(…) لخوض “الكوم باك” تمهيداً للعودة إلى أضواء السياسة التي تعاود انطفاءها عليه أيام “الصلعة والشوارب”، بعد فشله في كلا تجربتيه، الحزبية والغير حزبية(…)، ليبقى سؤال واحد عالق في هذا السياق، هو ما إذا كان قد سدد تكاليف زراعة الشعر ومختلف العمليات التجميلية من ماله الخاص، أم أنه استفاد هو الآخر من خدمات التزيين مجانا في بلاد “ماو تسي تونغ”، التي لم يتردد في مدحها ومجاملتها كما جاملته(…)، على غرار باقي زملائه في الأحزاب الأخرى، والذين تلقوا الدعوات المجانية قصد السياحة العلاجية والتجميلية من لدن بلاد الأناضول(…).

وصدفة السياسة والسن لم تتوقف عند هذا الحد، وإنما اكتملت بتلك التي افتتحت العرض(…)، لما أعلن الشاب عمر بلافريج، النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار، عبر شريط فيديو هو الآخر، عن قرار انسحابه من العمل السياسي، مؤكدا عدم خوض غمار الاستحقاقات القادمة دون أن ينسى التذكير بأن السياسة أخلاق وليست مهنة، وإذا كان كل من تطرقوا للموضوع، ركزوا على أن بلافريج ألح على أن قراره شخصي، يلزم صاحبه فقط، ولا رجعة فيه، فقد غفل الجميع، ولا أحد تكلم، عن التلميح الذي أشار إليه “الشاب عمر” في نفس الشريط، إلى نواياه واعتزامه الرجوع إلى الحياة السياسية بعد حوالي 10 سنوات، ومن تم، نستخلص أننا دخلنا حقل المقاربات بين الشابين إذن، إلياس وعمر، فالأول لعب ورقة الشبابية، والثاني فضل انتظار مرور الوقت، للّعب يوما بورقة النضج والإدراك، أو بصيغة أخرى “التباتة والرزانة”، لأنه ربما فهم أن المغاربة ليسوا مستعدين بعد لوضع مصير بلدهم، ولو جزء منه(…)، بين يدي شاب لم تسقط أو لم تشب له بعد ولو “زغبة” واحدة، وما تجربة الفرنسيين مع ماكرون، سوى عبرة لنا للتيقن من ذلك(…)، وكونه استوعب الفكرة أيضا، على عكس إلياس، أن المغاربة يجسدون الخبرة في الشيب منذ قرون.

وخلاصة القول، إذا كان السائق السابق لـ”التراكتور” قد اقتبس مشروعه التشريعي من بيت أبو العتاهية: “فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً /// فأُخبِرُهُ بِما فعل المَشيبُ”، فما علينا إلاّ أن نردّ عليه، بقولة: “منين كاتشبع الكرش، كاتقول للرَّاس غنِّي”، أما اليساري بلافريج، الذي بنى قراره بالتوقف، حسب قوله، على نهج زوج خالته، المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، صاحب المدرسة السياسية الشهيرة بإيديولوجية أن “السياسة أخلاق”، فما علينا إلاّ أن نتمنى له حظا موفقا في مشاريعه المقبلة، قبل أن نذكره بأنه إذا كانت السياسة كما تلفّظ بها، مُهِمّة وأخلاقا، وليست حرفة، فقد تذكره جريدة الشعب اليوم، أنه أغفل في كل مداخلاته، أن السياسة أيضا معركة، والمعركة لا تنقطع أبداً، من بدايتها إلى نهايتها(…).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى