تحليلات أسبوعية

بين السطور | مغرب 2021 لا يفرق بين “الألف والزرواطة”

بقلم: الطيب العلوي

    غداة استقلال البلاد، أي قبل أزيد من 65 سنة، كانت الشريحة الأكثر شيوعاً في المجتمع المغربي، تشكلها أجيال أغلبها في سن الزواج، كلها مطلوبة حينها قصد ولوج المدارس، إلا أن جزءً هاما منهم فضلوا الاستمرار في مواصلة أنشطتهم الاعتيادية، من ركوب البغال ورعي الماعز وحصد القمح، اختيار مدفوع في ذلك الوقت من طرف مجموعة من الفقهاء، الذين حركوا حملات إقناع هؤلاءبفكرة أن المدرسة لن تعلم أبناءهم إلا “المْسَخْ”، مصرّين على أن من أراد التعلم، ما عليه إلا الاقتراب من “الجامع” لحفظ كتاب الله وطاعة “الفقيه”،فطال السجال بين المدرسة و”الجامع”، ومرّت العقود، إلى أن ظهرت حملات محاربة الأمية قصد تمكين المغاربة من التغلب على عجز شاع في المجتمع، سمّي في ذلك الوقت في الأوساط الشعبية بالعجز عن التفريق بين “الألف والزرواطة”.

إلا أنه وبعد مرور السنين، وبعد أن تعلم المغربي وتفتحت عيناه، وبات يتقن كل ما يتعلق بالعلوم والتربية والقانون، وصار يضبط كتابة عموميات الدين، التي كان يكتفي فقط بالسماع بها.. كلها معارف اكتسبها بعد تمكنه من التمييز بين الألف والباء(…)، غير أنه اتضح فيما بعدأنه ما زال غير قادر على التمييز بين “الألف والزرواطة”.

في عام 2021، لا يمكن تسمية الواحد بالقادر على التمييز بين “الألف والزرواطة”، فكل مسؤول سام، تجد على يمين مكتبه كتاب الله مصحوبا بكتب الفقه والسنة، قصد إتقان العمل الروحي “على حقو وطريقو”، وعلى يسار نفس المكتب، ملفات تقنين الحشيش مصحوبة بآلاف الشكاوي لآلاف المواطنين، ومراسلات مئات الزملاء المنددين بذلك(…)، دون مبالاة بما سُرد في نفس كتب الفقه حول حكم الشك في الدين(…)، كما لا يمكن في عام 2021، لكل حامل في يده اليمنى لحقيبة وزارية أهدافها الاستراتيجية الأولى الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتنميتها المستدامة، من أجل مغرب أخضر(…)، أي نظيف ويلبي حاجياته الطاقية بأعلى نسبة ممكنة من الطاقات المتجددة، وفي يده اليسرى هاتف من نوع “بلاك بيري” يتابع عبره أسعار المحروقاتالتي يبيعها يوميا للمغاربة، والتي تزخرف سماء مدننا بلونها الرمادي.. وليس الأخضر.

ليتبين بعد مرور أزيد من نصف قرن على الحدث المذكور، أن الأمية كان على المغاربة الاكتفاء بتسميتها بخلط “الألف والباء”، لأن خلط “الألف بالزرواطة” هو ما نعيشه في أيامنا هذه(…) من خلط في الأوراق والقرارات والمشاريع والحقائب، أو لما “تتضارب” مؤسستان منحدرتان من فرع واحد(…) فيما بينهما أمام الملأ، وتحت عدسات مئات الكاميرات المسجلة للتاريخ(…)، الفئة الأولى، أي “الضاربة”، هدفها الأول السهر على الأمن العام وضمان حماية الأشخاص والممتلكات، والثانية، “المضروبة”، كاد ممثلها أن يكون رسولا.

أما وسيلة الضرب والمتمثلة دائما في “الزرواطة”، فتبقى نفس العصا التي نتيح الفرصة لـ”العديان”، لضربنا بها كلما سنحت لهم الفرصة، عبر قنواتهم الخاصة والعمومية، ناقلين القمع الرهيب لقوات المخزن تُجاه رجال التعليم:تهشيم رؤوسهم، والتحرش بنسائهم.

ليتضح بعد 65 سنة، أن “الزرواطة” ليست تلك الأداة التي يخلطها الأمي بحرف الألف، وإنما هي الأداة التي تؤدي إلى ضرب المثقف، كما تسمح أيضا بالفصل بين شيئين لا يجب خلطهما، وإلا فإن نفس الزرواطةتتحول لأداة ضرب تُجاهنا.

((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)) صدق الله العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى