تحليلات أسبوعية

بين السطور | خيار الشعب بين “الحلوف” و”الكرموس”

بقلم: الطيب العلوي

  بعد تعاقب عدة أسابيع جلّها مشحونة بالأحداث.. بين تدخل الكركرات، والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء المصحوب بالتطبيع مع إسرائيل، ثم التخوف الذي وازاهما من وجهة نظر “الشيخ بايدن” في كل هذا.. وفاجعة طنجة، وطلوع ونزول أرقام “كورونا”، ومشروع تقنين الحشيش، وكما كان للمغاربة خلال السنة الماضية موعدا مع ليلة “الهروب الكبير”، كان لنوابهم موعدا هذا الشهر مع ليلة “الإنزال الكثيف”، حين أقدم حزب “الفتيل المشتعل” على حشد نوابه، الملتحين وغير الملتحين(…)، والمصابين وغير المصابين(…)، والملقحين وغير الملقحين(…)، لحضور اجتماع القبة التي باتت أضواؤها مشتعلة هي الأخرى، قصد التصويت على مشاريع القوانين الانتخابية التي انتهت كما تعلمون بالحسم في مشروع “القاسم الانتخابي”، وقد أبانت السرعة في البرمجة وهمسات “سربي سربي” عن أسلوب لم يسبق للحزب أن انتهجه حيال أي قضية من القضايا(…)، مما جعل من هذا المشروع، القانون الأكثر إثارة للجدل، وربما قد فهمتم الآن أن الإثارة هنا لا تكمن في فصول وتفاصيل المشروع، وإنما في نوع “الحماس في التعامل” مع الأمور(…).

وإذا كان القاسم الانتخابي هذا قد جاءنا – على كل حال – حاملا الإيجابيات بسيئاتها، مقتربا من الاعتماد المطلق على أساس المسجلين (قوانين تذكرنا شيئا ما بطريقة الأمريكيين في التصويت، التي هم بأنفسهم لم يستوعبوها بعد جيداً منذ استصدارها قبل أزيد من قرنين)، مبتعدا عن الاعتماد على الأصوات الصحيحة فقط، الطريقة التي ورثناها عن النظام الفرنسي.. تغييرات كلها أوحت لأصحاب “بعد النظر”، أن هذا التعديل قد يستهدف حزبا بعينه(…)، إلا أن الواقع، هو أن المؤسسة التشريعية بالبلاد أخذت منذ سنة 2002، طابعا فسيفسائيا فقط، بتعددية حزبية دون طعم، وفكرة القاسم الانتخابي صُمّمت بلا شك في إطار “استمرارية” نفس المنهج(…) الهادف إلى تقزيم قاعدة كل حزب، دون أن تتحقق يوما أغلبية نيابية متمايزة ومؤثرة(…)، فلسفة مبنية بلا شك على أساس واحد، ذاك الذي يصف به المغاربة أنفسهم منذ قرون بالمثل: “تعطيهم عينيك يطمعوا فحواجبك”.

فإذا بات “البيجيدي” لوحده معارضا لتعديل المشروع أمام مؤيدي التعديل من الأحزاب الخارجة عن الائتلاف الحكومي، وإذا كانت النتيجة 162 صوتا مصادقا عليه مقابل 104 أصوات رافضة، فإن النتيجة تذكرنا بحكاية أخرى، كشف عن أصولها الحسين بن علي بن عبد الله في كتابه: “قصص وأمثال من المغرب”، حيث حكى أن ((رجلا من أهل الجبل اصطاد خنزيرا برّيا، وعرض على صاحب له أن يحملاه إلى حيث يسلخانه ويشويانه ويأكلانه، فقال صاحبه: إن الخنزير محرم جملة فكيف نستجيز أكل لحمه أو نستحله؟ فقال: هو كذلك، وانصرف بالوحش، ثم ما لبث يسير، إذ عاد ومعه سلة تين وقال: هلم إلي نأكل ما اشتريته ببعض ثمن الصيد، فقال صاحبه عندها المقولة “حلوف كرموس”)).

لتبقى الخلاصة، أن كل ما سيتغير في الأمر: أولئك الذين كان بن كيران ينعتهم بالتماسيح، ستتم تسميتهم فيما بعد بالخنازير، وعلى لسان حزب آخر طبعا هذه المرة، ومن أراد “الكرموس” سنوصيه بالصبر(…)، وأن الركود النسبي الذي تعرفه الساحة السياسية هذه الأيام، ما هو إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة، التي لن تشكل إلا استئناف دوران ساعة الإفلاس السياسي، التي تدور منذ سنة 2002.. قصد الفتك بالحزب المقبل(…).

أما من يريد راحة البال في هذا البلد السعيد، فليطبق على نفسه مثل ناس بكري: “اجلس بعيد وتفرج فيهم، تعرف علاش ربي بعدك عليهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى