تحليلات أسبوعية

بين السطور | الأزمة المغربية الألمانية عالقة بين أيدي “أنجيلا” و”عبد الجليل”

بقلم: الطيب العلوي

  إذا كان قطع العلاقات الدبلوماسية بين بلدين يكون عادة بإعلان صريح على الملأ(…)، ويليه سحب السفراء وإغلاق السفارات، فالمغرب الذي قرر تجميد علاقاته الدبلوماسية مع سفارة ألمانيا بالرباط وهيئات التعاون والمؤسسات التابعة لها، والذي أسبابه الحقيقية لم تتضح إلى حد الساعة، باستثناء ما جاء في مراسلة بوريطة من تعبير حول “سوء تفاهمات عميقة”، والذي تلقى بعد أيام، ردا من الخارجية الألمانية جاء فيه بكل بساطة وفي ثلاثة سطور(…)، أن “الحكومة الألمانية لا ترى أي سبب يعرقل العلاقات الدبلوماسية الطيبة مع المغرب”.. رد مصحوب باستدعاء السفيرة المغربية ببرلين زهور العلوي، لمناقشة القرار المغربي وفهمه(…)، السفيرة نفسها التي كانت بالرباط أياما قليلة من قبل، وفي فترة لا ينصح فيها بالسفر إلا للضرورة(…)، مما يفسر بلا شك، أن ذلك جاء في إطار التحضير للقرار المذكور.. تخمين أكدته التقارير فيما بعد.

من تم… “ما شتّيني ما شْتّْك”، وبعد أن حاول المغاربة فهم ما خفي وأسبابه، بين من رأى في الأمر ردّا طبيعيا بديهيا ومشروعا على كل من تمادى في استهداف الوحدة الترابية، في إشارة بلا شك إلى رفع علم البوليساريو أمام مبنى برلمان ولاية بريمن الألمانية، ومن ظن أن الملف الليبي كان أبرز خلاف بين البلدين، وقضية علم البوليساريو لم تشكل فقط إلا غطاء لما هو أعظم، إشارة هذه المرة إلى اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، والذي جعل ألمانيا تدعو لاجتماع فوري لمجلس الأمن للتأكيد على حل نزاع الصحراء وفقا لقرارات الأمم المتحدة، ليبقى الاحتمال الأرجح يكمن في تراكم “الزبايل”، التي بدأت عند إقصاء أنجيلا ميركل للمغرب من مؤتمر برلين حول ليبيا، في الوقت الذي شاركت فيه كل القوى الدولية والإقليمية من بينها الجزائر(…).

“يا ريت” لو أن هذا التصرف المغربي يجعل من ألمانيا، رابع قوة عالمية، تحس بنفسها كما يحس المراهق الذي يدخل البيت ويلاحظ غضب ولي أمره نحوه دون معرفة سبب الغضبة، ما إذا كانت ناتجة عن أنباء حول سوء سلوكه خارج البيت، أم عن رائحة الدخان التي تفوح منه(…)، أم بسبب نقطه ومستواه الرديء في المدرسة(…)، ويا ليت هذا الاستفهام يكون أشد من العقاب، حتى يجعل كل دولة عظمى من الآن فصاعدا، تفكر جيدا في كل خطوة تقوم بها تُجاه المغرب..

لكن “كون كان الخوخ يداوي، كون داوا راسو(..)”، وما دام أنه لا أحد يملك الجواب، والزمن وحده كفيل بالكشف عن خبايا ما يجري ويدور(…)، وفي انتظار كل هذا، لا مانع من التذكير بسيرة سيدة ألمانية تدعى أنجيلا ميركل، المزدادة في 17 يوليوز 1954، أي في نفس اليوم الذي ازداد فيه عبد الجليل (اسم مستعار)، مواطن مغربي من تارودانت: عندما دخلت أنجيلا السياسة في أعقاب ثورات 1989، في نفس العام ترشح عبد الجليل للانتخابات الجماعية في إقليم تارودانت، ولم ينجح لسوء حظه(…)، ثم بعد إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، تم انتخاب أنجيلا عضوة في ولاية “مكلنبورغ”، ومن ثم عُينت وزيرة للمرأة والشباب إلى غاية سنة 1994، حيث أصبحت وزيرة للبيئة، في العام الذي نجح فيه أخيرا عبد الجليل في الانتخابات المحلية لإقليمه.

وفي سنة 2005، عُينت ميركل بعد الانتخابات الاتحادية، في منصب مستشارة لألمانيا على رأس الائتلاف الكبير، عام آخر لم يحالف فيه الحظ هذه المرة عبد الجليل في الانتخابات التشريعية.

وبينما راكمت أنجيلا تجربة سنوات طويلة على رأس ألمانيا، بتجديد ثقة الشعب فيها ثلاث مرات(…)، راكم عبد الجليل من جهته مجموعة من التجارب السياسية التي باءت بالفشل، حتى جاء عام 2021، بقاسمه الانتخابي الجديد، والذي غيّر الحسابات(…)، حسابات ستمنح فوزا محققا لعبد الجليل هذه المرة، للحصول أخيرا على مقعده بالبرلمان ممثلا إقليم تارودانت، وهو نفس الإقليم الذي قد تفكر أنجيلا للاستقرار فيه بعد تقاعدها عند نهاية ولايتها هذا العام، على غرار زميلها الراحل جاك شيراك، وستكون الأيام قد دارت، إلى أن تحتاج أنجيلا يد المساعدة من عبد الجليل لقضاء أغراضها اليومية، من تراخيص إصلاح بيتها ومختلف الإجراءات الإدارية الروتينية، ليقرر عبد الجليل يوما ما التوقف عن رده على مكالماتها لضيق الوقت(…)، وربما أيضا من باب الانتقام..

العبرة في شيئين: “الدنيا دوّارة”، و”دوام الحال من المُحال”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى