المنبر الحر

جريمة الاتجار بالبشر تتحدى القوانين الوطنية والدولية

العبودية الجديدة

يعتبر الاتجار في البشر ثالث أكبر تجارة غير مشروعة في العالم بعد تهريب السلاح والاتجار في المخدرات، كما يعد أحد أشكال الجريمة المنظمة ضمن الحدود الوطنية والدولية، على اعتبار أنها تحقق أرباحا طائلة تقدر بملايير الدولارات.

بقلم: الدكتور عبد الرحيم بن سلامة

    ويبذل المجتمع الدولي ممثلا في مكتب الأمم المتحدة الخاص بالمخدرات والجريمة، والمفوضية الأوروبية والجامعة العربية والوكالات الوطنية المختصة في مكافحة الاتجار بالبشر، مجهودات جبارة لمكافحة هذه الجريمة، وقد تم توقيع عدد كبير من الاتفاقيات الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر واستصدار العديد من القوانين والتشريعات الوطنية والدولية في هذا الصدد.

وعلى الصعيد الديني، انعقدت قمة في الفاتيكان سنة 2014، ضمت قيادات مسيحية (كاثوليكية وإنجيلية وأرثوذكسية) إلى جانب ممثلي الدين الإسلامي والديانات اليهودية والبوذية والهندوسية، وذلك للتوقيع على التزام مشترك بـ((القضاء على العبودية والاتجار بالبشر))، حيث اختتم البيان الصادر عن هذه القمة بالتزام الجميع بـ((العمل المشترك من أجل حرية المستعبدين وضمان مستقبل أفضل لهم)).

فالتشريعات السماوية وتعاليمها تهدف إلى تهذيب النفوس وترشيد العقول وتحرير الإنسان والرفع من شأنه وحفظ حقوقه واحترام آدميته، ليعيش معززا مكرما في هذه الحياة، متمتعا بالحرية والعدالة والمساواة، مشاركا مع بني جنسه في إصلاح الأرض وعمارتها بالحضارة الفعالة التي تحقق له سبل الحياة الكريمة داخل العائلة الإنسانية الواحدة، غير أن التطورات المتسارعة للحياة وضغوطها الاقتصادية، ساهمت في “تسليع” الإنسان واستهلاكه دون مراعاة لمنظومة القيم الأخلاقية، ليتفاجأ العالم اليوم ببروز ظاهرة الرق من جديد، والاستعباد في شكله الجديد المتمثل في ظاهرة الاتجار بالبشر التي اتسع نطاقها في العقود الأخيرة بصورة مؤلمة ومقلقلة أصبحت تشكل تهديدا خطيرا للإنسانية، وباتت تؤرق الجميع بعد أن أصبحت جريمة منظمة، وقد نشطت هذه الجريمة البشعة في كثير من أنحاء العالم في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب عولمة الاقتصاد والاتصالات وتحرير الأسواق وتزايد أنشطة الشركات العابرة للقارات، إضافة إلى تفشي ظاهرة الفقر والبطالة، وانتشار الأمية والجهل وانعدام العدالة في توزيع الثروات، وغلبة الجشع والطمع والربح المادي، وفقدان الحس الأخلاقي، ونشوب الحروب والنزاعات المسلحة، ووجود الاضطرابات الداخلية في بعض البلدان، وحدوث الكوارث الطبيعية المفزعة، وتصاعد قوة الجماعات الخارجة عن القانون في المناطق الهشة سياسيا وأمنيا، مع عدم فعالية القانون في مناطق العبور ومناطق تسويق هذه الجريمة.

إن ظاهرة الاتجار بالبشر أضحت اليوم جريمة دولية منظمة عابرة للحدود الوطنية، تمثل نمطا مستحدثا من أشكال العبودية لإهانة كرامة الإنسان وآدميته، بتحويله إلى بضاعة رخيصة من قبل عصابات محلية وعالمية مجرمة، حيث تشير التقارير الدولية إلى تزايد أعداد ضحايا هذه الجريمة بنسب مهولة تفوق التوقع والوصف، مع تعدد أشكالها وتنوع مظاهرها، وصولا إلى الاتجار بالأعضاء البشرية، مما حدا بالأمم المتحدة إلى اعتبارها أخطر جريمة تهدد العالم المعاصر بعد جريمتي المخدرات والسلاح وجرائم الشبكات الجنسية، لذلك، فإن العالم اليوم بدوله ومنظماته وهيئاته المتخصصة، يسعى جاهدا لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر، باعتبارها وصمة عار على جبين الإنسانية، جريمة تعبث بحقوق الإنسان وتحط من كرامته، وتزيد من معاناته، خصوصا إذا تعلقت باللاجئين والمستضعفين الذين شردتهم ويلات الحروب والكوارث الطبيعية من بلدانهم ليقعوا تحت براثن المجرمين الخطرين.

المغرب ومكافحة الاتجار في الأشخاص

     يبذل المغرب جهودا كبيرة لمكافحة الاتجار بالأشخاص، حيث عمل على الانخراط في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة بمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر، حيث قام بالمصادقة على العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية أهمها:

– “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطن” لسنة 2000.

– “الاتفاقية الخاصة بالرق” لسنة 1926 التي انضم إليها المغرب في 11 ماي 1959.

– “اتفاقية حماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم” لسنة 1991 التي صادق عليها المغرب سنة 1993.

– “اتفاقية حقوق الطفل” لسنة 1989 التي صادق عليها المغرب في يونيو 1993.

– “اتفاقية منع أشكال التمييز ضد المرأة” لسنة 1979، التي صادق عليها المغرب في 21 يونيو 1993.

– “اتفاقية منظمة الشغل الدولية رقم 105 حول إلغاء العمل القسري” لسنة 1957 التي صادق عليها المغرب في فاتح دجنبر 1996.

 – “اتفاقية منظمة الشغل الدولية رقم 182 حول أسوأ أشكال عمل الأطفال لسنة 1999” والتي صادق عليها المغرب في 26 يناير 2001.

وفي ظل دستور 2011، أصبح من الضروري تأهيل التشريعات الوطنية، وذلك بإصدار نصوص قانونية تجرم ممارسة الاتجار بالبشر.

وفي شهر شتنبر 2013، أنشأ المغرب لجنة وزارية لإعداد مشروع قانون لمعاقبة الاتجار في البشر وفقا للمعايير الدولية، كما أطلقت الحكومة المغربية دينامية لمراجعة القانون الجنائي من أجل ملاءمته مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وخاصة اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة وبروتوكولها الإضافي، لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار في الأشخاص، وخاصة النساء والأطفال، وكل هذا بغية تحديث القانون الجنائي وتأهيل الجهاز القضائي لمعالجة الجرائم التي تدخل في هذا الإطار.

القانون الوطني رقم 14-27 المتعلق بجرائم الاتجار بالبشر

     الاتجار بالبشر، حسب الفصل 448 من القانون الجنائي في الفقرة الأولى:

((يقصد بالاتجار بالبشر، تجنيد شخص أو استدراجه أو إيوائه أو استقباله أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو استعمال مختلف أشكال القسر والاختطاف والاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا، للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال)).

و((يشمل الاستغلال، جميع أشكال الاستغلال الجنسي، ولا سيما استغلال دعارة الغير، ويشمل أيضا الاستغلال عن طريق العمل القسري، أو السخرة أو التسول والاسترقاق أو الممارسة الشبيهة بالرق، ونزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها، أو الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء، أو استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أو في النزاعات المسلحة)).

ولا يتحقق هذا الاستغلال إلا إذا ترتب عنه سلب إرادة شخص وحرمانه من حريته وإهدار كرامته الإنسانية بأي وسيلة كانت ولو تلقى مقابلا أو أجرا عن ذلك، ويقصد بالسخرة في مفهوم هذا القانون، جميع الأعمال أو الخدمات التي تفرض قسرا على أي شخص تحت التهديد.

صور الاتجار بالبشر حسب الفصل 448 المذكور

     تحدد جرائم الاتجار بالبشر في الغرض منها، وهو الاستغلال، وتأخذ عمليات الاتجار بالبشر أشكالا متعددة، أبرزها:

– الاستغلال الجنسي: يقصد به استغلال تجار البشر لأجساد الضحايا من النساء والأطفال، وغيرهم، في إشباع الغريزة الجنسية لطالبي المتعة الجنسية نظير مبالغ مالية يقومون بدفعها لهؤلاء التجار.

– السخرة أو العمل القسري: وهو نقل أو توفير شخص للعمل أو لتقديم الخدمات من خلال القوة أو الإكراه، من أجل أن يقوم بأشغال شاقة غير طوعية.

– الاتجار بالأطفال: من مظاهره استغلالهم في البغاء أو المواد الإباحية أو في المشاريع الإنتاجية أو النزاعات أو الحروب والفتن.

– تجارة الأعضاء البشرية: حيث يقوم فرد أو جماعة إرهابية منظمة باستغلال شخص أو أشخاص عن طريق التحايل والإكراه، وذلك بغرض نزع أعضائهم وبيعها كبضاعة من أجل الحصول على أرباح مالية.

ومن الممارسات الشبيهة بالاتجار بالبشر، الزواج القسري إذا لم يأذن به القاضي.

العقوبات المفروضة بشأن جرائم الاتجار بالبشر باعتبارها جنايات

    تبتدئ العقوبة في جريمة الاتجار بالبشر، بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، وغرامة مالية من 10.000 درهم إلى 50.000 درهم، وترفع هذه العقوبة عند اقتران الجريمة بظروف التشديد.

كما يعاقب على عدم التبليغ عن جريمة الاتجار في البشر أو الشروع فيها ولم يبلغ عن المعني بالأمر إلى السلطات العمومية، بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة مالية من 5000 درهم إلى 50.000 درهم، لكل من علم بارتكابها أو الشروع فيها ولم يبلغ عنها للجهات المختصة.

هذا، والجدير بالذكر، أن الأمم المتحدة جعلت يوم 30 يوليوز من كل عام، يوما عالميا لمناهضة الاتجار بالبشر، للتحسيس والتوعية بمخاطر هذه الجريمة النكراء، والتحذير من الوقوع في شراكها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى